ما وراء توتر هوكشتاين
مستشار أحد المراجع السياسية قال لنا أنه واكب محادثات آموس هوكشتاين في كل محادثاته مع هذا المرجع حول الترسيم البحري ـ وكانت محادثات شاقة ومعقدة ـ دون أن يلاحظ أي أثر للتوتر في أدائه. هذه المرة بدا عليه التوتر وهو يتحدث عن الرسالة التي يحملها، “حتى خيّل الينا أنه يتمنى لو ينقل هذه الرسالة شخصيا الى السيد حسن نصرالله”…!
هوكشتاين النصف أميركي والتصف “اسرائيلي” (مع وجود نصف ثالث)، أبلغ مسؤولين لبنانيين التقاههم، أن بلاده لم ترسل تلك الأرمادا البحرية والجوية لتضرب حزب الله، وانما لاستيعاب الجو الهيستيري الذي ظهر عقب عملية غلاف غزة، وللحيلولة دون امتداد الحرائق الى سائر أصقاع الشرق الأوسط.
البند الثاني أن واشنطن ضد ترحيل أهل غزة الى سيناء، أو الى أي مكان آخر، ليعقب ذلك القيام بجولات مكوكية ومركزة للبحث عن طريق الى حل الدولتين. لكن المقامات الديبلوماسية الأميركية أقرب ما تكون الى مقامات بديع الزمان الهمذاني. الزركشة اللغوية لا أكثر ولا أقل…
لا ندري لمن يعطي المبعوث الأميركي، كحلقة وصل بين وزارة الخارجية ووزارة الطاقة، الأولوية “للأمن الاسرائيلي” أم “للغاز الاسرائيلي”، رغم التداخل بين المسألتين. لكنه، مثلما قالت ادارته لحكومة بنيامين نتنياهو، قال ان سياسة حافة الهاوية (Brinkmanship) في ظل الاحتقان السيكولوجي – والدموي ـ الوجه الآخر لحافة النهاية.
حزب الله لا يثق بالأميركيين. على الأرض يدرك مدى الخدمات التقنية واللوجيستية، وحتى الخدمات العملانية، التي يقدمونها “لاسرائيل” في الميدان، لذلك يستغرب أن يطرح هوكشتاين نفسه كوسيط، وهو يرتدي الثياب العسكرية. ثم أن الرجل لا يقوم بتلك المهمة (تبريد الرؤوس الحامية) فقط، لتوجس الادارة من أي انفجار واسع النطاق يهدد مصالحها الحيوية في المنطقة.
طرح أمام مضيفيه خوف الادارة على أمن وبقاء “اسرائيل” من جهة، ومن جهة أخرى الخوف من “الجنون الاسرائيلي”، ودون أن يكون لديه أي جواب حول كلام وزير التراث عميحاي الياهو بعدما بات مؤكداً أن مسألة اللجوء الى الخيار النووي طرحت أمام “الكابينت”.
تصدع داخل “اسرائيل” لا نظير له منذ اعلان قيام الدولة عام 1948. ولكن هناك المؤسسسة اليهودية، بكل امتداداتها الأخطبوطية داخل المؤسسات السياسية والمالية العالمية، والتي باستطاعتها اعادة ضبط الايقاع هناك.
لبنان أيضاً في حالة من التصدع الذي انتهى بالدولة من حال الانحلال التام، باتجاه الاضمحلال التام. لا أحد مع لبنان الذي يقف وحيداً في العراء. الكل، في الداخل وفي الخارج، يقفون ضد المقاومة التي يجهلون (حتى لو علموا) لماذا وجدت عندما كانت الأقدام الهمجية على أرضه. حتى أن هناك داخل الاستبلشمانت في أميركا مَن لا يزال يتبنى نظرية هنري كيسنجر حول التعامل مع لبنان كفائض جغرافي يستعمل لحل أزمات المنطقة.
انه التقاطع الدراماتيكي بين قوى الداخل وقوى الخارج. هذا ما يزعزع الحالة اللبنانية التي تمكنت من ارساء معادلة توازن الرعب مع العدو الاسرائيلي. المعادلة الضرورية لبقاء لبنان، لمن يدرك ما هي النظرة الآيديولوجية والنظرة الاستراتيجية الاسرائيلية لبلدنا.
الكل باتوا يعلمون، وقد أكد ذلك وزير الثقافة السابق غسان سلامة، الذي يعرف بعلاقاته الوثيقة بالعديد من صانعي القرار في الغرب. يوم 7 تشرين الأول، طرح وزير الدفاع “الاسرائيلي” يوءاف غالانت خطة الضربة الصاعقة ضد لبنان. وزراء آخرون عارضوا ذلك، واستندوا الى تقارير أجهزة الاستخبارات، التي تؤكد أن لا مجال لمفاجأة حزب الله كون الأصابع على الزناد .
نتوقف عند قول مندوب ايران لدى الأمم المتحدة:”لم نشارك في أي هجمات أو اجراءات ضد القوات الأميركية في العراق وسوريا”. الايرانيون ايضاً لا يريدون الحرب. ولكن هل يدرك الأميركيون أن سياساتهم في المنطقة هي التي جعلتها على فوهة البركان؟
هوكشتاين أوحى بأن بلاده في صدد اعادة صياغة بعض سياساتها حيال الشرق الأوسط، مثل هذا الكلام يقال منذ عام 1967. متى وعدوا وصدقوا… ؟!
المؤسسة اليهودية في حال من الهلع. ثمة أصوات تعلو في أميركا: “السياسات الاسرائيلية المجنونة تهدد مصالحنا”. يوماً ما لا بد ان يحزموا حقائبهم…