رحلة “استجداء” أدوية الأمراض المزمنة انطلقت
رحلة “استعطاء واستجداء مهذَّب” لأدوية الأمراض المزمنة والمستعصية، مبادرة نادرة وجريئة ومبتكرة انطلق بها قبل فترة قصيرة رئيسا لجنتَيْ الصحة العامة والشؤون الخارجية في مجلس النواب الدكتور بلال عبد الله وفادي علامة.
الرحلة شملت لحد الآن نحو ثماني بعثات ديبلوماسية، وسيكملانها بزيارات أخرى وغايتها الأساس تأمين أدوية لنحو 13 ألف مريض مزمن كانوا يتلقّون في السابق أدويتهم مجاناً من وزارة الصحة وفق آلية إدارية تبدو مهددة بالتوقف الجدّي.
وبالإجمال هي خطوة تكشف عن واقعين صعبين:
الأول: حجم الانهيار المروّع الذي بلغه النظام الصحي الرسمي في لبنان بكل مؤسساته (وزارة الصحة، الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وتعاونية موظفي الدولة إلى المؤسسات الطبية في الأسلاك العسكرية…) وأبرز مظاهره المأساوية عجز الوزارة عن تأمين أدوية الأمراض المزمنة لنحو 13 ألف مريض اعتادوا أن يقصدوا مبنى الوزارة في بئر حسن والكرنتينا للحصول على تقديمات وُضعت آليات الاستفادة منها منذ عقود.
الثاني أن الدولة ممثلة بحكومة تصريف الأعمال باتت تفتقد أي آليات لحل معضلة حياتية ملحّة من هذا النوع، لذا لم يكن أمام النائبين عبد الله وعلامة إلا أن تصدّيا للأمر وبادرا إلى هذه الخطوة الجريئة.
“لا يمكن أن نعقد كل الآمال والرهانات على تلك الجولة الاستعطائية التي انطلقنا بها لتوّنا، كما لا يمكن أن نراوح في دائرة اليأس والتشاؤم، والمهم أننا مصمّمون على العودة بمكتسبات تبدّد خوف المرضى المنتظرين” على حد قول النائب عبد الله لـ”النهار” عندما سألناه تقييماً أولياً لهذه الخطوة وجدواها.
ويضيف عبد الله في معرض حديثه عن الدوافع التي حدت به وبزميله علامة إلى اتخاذ قرار المضيّ في هذه المغامرة: “لقد صار معلوماً أن أموال حقوق السحب الخاصة قد أوشكت على النفاد، وليس خافياً أننا صرفنا نحو 500 مليون دولار منها على تأمين الأدوية للأمراض المزمنة”.
الأمر الثاني يضيف عبد الله أن “المطلوب لتأمين هذه الأدوية مبلغ شهري يترواح بين 30 إلى 53 مليون دولار. ولم يعد جديداً القول إن حاكمية مصرف لبنان الحالية سبق لها أن أبلغت وزارة المال والحكومة عموماً أن المصرف لم يعد إطلاقاً في وارد توفير أموال لنفقات الدولة واحتياجاتها كما كانت العادة أيام الحاكم السابق لمصرف لبنان رياض سلامة. والمعلوم أيضاً أن الحاكمية الحالية ظلّت ملتزمة بكلمتها ولم تبدّل ما يعني أنها جادة وليست في وارد إعادة النظر”.
وإلى جانب ذلك، يستطرد عبد الله، “لسنا على يقين من موعد إقرار الموازنة العامة التي لحظنا في مشروعها الحالي أموالاً لوزارة الصحة لتوفير أدوية الأمراض المزمنة والمستعصية”. لذا يستنتج عبد الله أن الوضع أمامنا صار صعباً جداً ويبعث على الخشية من أن يأتي يوم من الأيام وتعجز وزارة الصحة العامة عن تأمين دواء لمريض يقصدها طلباً لدواء مرض مزمن، وعندها نكون أمام كارثة إنسانية، لذا أخذنا المبادرة وشرعنا في تحركنا بالتنسيق مع الحكومة ووزارة الصحة.
وردّاً على سؤال أجاب الدكتور عبد الله: يبلغ عدد مرضى الأمراض المزمنة الذين اعتادوا الاستفادة من وزارة الصحة والمسجّلين على لوائحها نحو 12 ألفاً وخمسمئة مريض. أما عدد الأدوية المشرّع تناولها بناءً على لجان الوزارة المختصّة فقد تدنّى إلى نحو 260 دواءً وذلك بعد أن قرّر وزير الصحة العامة الدكتور فراس أبيض بالتشاور مع اللجنة العلمية المختصة في الوزارة حصرها وضبطها.
وعن المعايير التي اعتمدها وزميله علامة لكي يشرع في إنفاذ تلك المبادرة والتي أسفرت عن انتقاء بعثات دول بعينها من دون أخرى أجاب عبد الله: “لقد اخترنا بطبيعة الحال أولاً الدول الشقيقة والصديقة المتعاونة، وتحديداً الدول القادرة من جهة إضافة إلى دول نعرف سلفاً أن عندها مصانع متطوّرة تنتج أنواعاً من هذه الأدوية التي نحن بأمسّ الحاجة إليها من جهة أخرى.
ولأننا نعرف أيضاً أن الحصول على مساعدات مالية من هذه الدول أمر دونه عقبات وتدابير تقنية صعبة، فإننا تحدثنا مع البعثات التي قُيّض لنا أن نلتقي مع أركانها بلسان واحد وصريح وهو أننا لسنا في صدد طلب معونات مالية بل نريد مساعدات طبية عاجلة في مقدمها بطبيعة الحال أدوية الأمراض المزمنة التي تؤمّنها الدولة للمرضى منذ زمن بعيد، وأن لهم حق الاطلاع والمتابعة لآليات التوزيع واستفادة المرضى المستحقين من هذه الأدوية.
ويضيف عبد الله: “ولكي نعطي تحركنا وجهدنا صدقية وشفافية أكبر، عمدنا إلى وضع لائحة علمية مدروسة بالأدوية التي نطلبها وببدائلها ومن ثم طبعناها في كراس وسلّمناها إلى البعثات التي زرناها معلنين استعدادنا للرد على أي إيضاح أو استفسار، إذ إن هاجسنا الأساس هو صحة المرضى وتوفير الأدوية لهم في أسرع وقت”.
وقال عبد الله ردّاً على سؤال آخر: “لقد زرنا إلى الآن بعثات كلٍّ من الكويت والسعودية وقطر والولايات المتحدة والهند والبرازيل وسويسرا. وفي جعبتنا أن نزور أيضاً بعثة باكستان إلى بعثات أخرى ننتظر تحديد موعد زيارتها”.
ويعرب عبد الله عن تفاؤله بأن “ينتج هذا الجهد القصد المتوخّى منه لأنه قصد إنساني”.
وهل سبيل مدّ اليد طلباً للدعم هو الوحيد؟ ولماذا لم تبحث فكرة حملات الدعم من الميسورين بغية توفير هذه الأدوية لمواطنيهم وتوزيعها بطريقة علمية؟
يجيب عبد الله: “أعتقد أن طريق مثل هذا الحل أوردته في مشروع سبق أن قدّمته إلى المجلس تحت عنوان تأمين البطاقة الصحية لكل اللبنانيين وقد أدرجه نائب رئيس المجلس أبو صعب على جدول أعمال اللجان المشتركة. وفي ذاك المشروع اقترحت رسوماً وضرائب على الأغنياء والميسورين كجزء من توفير الدعم لمشروع البطاقة التي نعتقد أنها تحل مشكلة الاستشفاء والطبابة المزمنة عندنا”.