تاريخ طويل لإجلاء الرعايا الأجانب من لبنان: البحر والبر بوابات الهروب
باتت لدى السفارات العربية والغربية، على حد سواء، خبرة في عمليات إجلاء رعاياها من لبنان. فمحطات كثيرة منذ الحرب الأهلية التي شهدتها البلاد عام 1975 حتى يومنا هذا، حتّمت على هذه السفارات إعداد خطط ووضع آليات تنفيذية لإخراج مواطنيها من لبنان. وها هي اليوم تستعيد هذه التجربة خشية توسع المناوشات في جنوب البلاد بين إسرائيل و«حزب الله»، على وقع التطورات في غزة.
ويشير جورج غانم، الكاتب السياسي الذي واكب عن كثب الأحداث اللبنانية، إلى أنه ومع بداية الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975 بدأت الدول ترحّل رعاياها، لافتاً إلى أن «أكبر عملية إجلاء حصلت عام 1976 من قبل الأميركيين بعد اغتيال السفير الأميركي فرانسيس ميلوي، بحيث تم إرسال أسطول أميركي لإجلاء الرعايا الأميركيين عبر شاطئ بيروت، أما السفير ميلوي فتم نقل جثته إلى دمشق براً قبل أن يتم نقله إلى الولايات المتحدة الأميركية جواً باعتبار أن العلاقات الأميركية – السورية كانت بوقتها بأفضل أحوالها».
ويقول غانم في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «خلال كل أزمة في مرحلة الحرب كانت عمليات الإجلاء تتجدد، وقد حصل ذلك عام 1978، ومن ثم عام 1982، وصولاً لعام 1983-1984 حين تم إجلاء القوات المتعددة الجنسيات، وتم نقل السفارة الأميركية إلى ما كان يُعرف ببيروت الشرقية، وتم منع الأميركيين من المجيء إلى لبنان، ووقف الخط الجوي بين بيروت ونيويورك، وكل ذلك بعد تفجير السفارة الأميركية في بيروت، وبعد انطلاق عمليات خطف الأجانب، ووصف وزير الخارجية الأميركية بيروت بـ(مدينة الطاعون)». ويضيف: «عاد قسم كبير من الرعايا الأجانب إلى لبنان بعد انتهاء الحرب، لكن وعند كل منعطف كانت تحصل عمليات إجلاء. ففي عام 1996 وبعد الهجوم الإسرائيلي على لبنان غادر العديد من الرعايا عبر مطار بيروت وصولاً لعام 2006 تاريخ اندلاع (حرب تموز)، عندها حصلت عمليات إجلاء كبيرة عبر البحر كما البر من خلال سوريا، وبوقتها نفذت كندا أكبر عملية إجلاء».
كذلك في عام 2008، وبعد الأحداث التي شهدتها بيروت في شهر مايو (أيار) غادر القسم الأكبر من الرعايا الخليجيين.
وحسب الأمن العام اللبناني، غادر 200 ألف أجنبي في «حرب تموز 2006» عبر مطار بيروت، فيما التجأ 12 ألفاً آخرون إلى سفارات بلادهم لإجلائهم.
من جهته، يوضح الباحث في «الدولية للمعلومات» محمد شمس الدين، أن «(حرب تموز) بدأت يوم الأربعاء 12 يوليو، ويوم الخميس قصفت إسرائيل المطار، وابتداءً من يوم الجمعة بدأت الدول إجلاء رعاياها إما بحراً أو براً عبر سوريا»، لافتاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «الإجلاء بحراً يتم بشكل أساسي إلى قبرص عبر مرفأي بيروت وجونية».
وخلال «حرب تموز 2006» استقبل ميناءا ليماسول ولارنكا القبرصيان عشرات السفن التي أقلت آلافاً من جنسيات مختلفة وتوجهت سفن أخرى إلى ميناء مرسين التركي.
ووفق مصدر رسمي لبناني، فإن «المشهد الضبابي الحالي غير مرتبط بلبنان فحسب، إنما بالمنطقة ككل، لذلك وضعت معظم السفارات خططاً لإجلاء مواطنيها، فيما بدأ بعضها بتنفيذ هذه الخطط».
ونقلت صحيفة «واشنطن بوست» عن مسؤولين أميركيين أن إدارة الرئيس جو بايدن «تخطط بشكل طارئ لتنفيذ خطط إجلاء مئات الآلاف من المواطنين الأميركيين، من الشرق الأوسط، في حال تطورت تهديدات إيران باتجاه القيام بعمل عسكري أوسع ضد قواتها». ووفقاً لتقديرات الخارجية الأميركية، فإن «هناك 600 ألف أميركي في إسرائيل و86 ألفاً في لبنان (يحملون جنسيات مزدوجة)».
وحسب معلومات «الشرق الأوسط»، يوجد 20 ألف مواطن فرنسي في لبنان، وقد أعدت السفارة الفرنسية في بيروت خططاً لإجلائهم حال تدهور الأوضاع، وتم إرسال رسائل للرعايا لأخذ احتياطاتهم والتهيؤ لأي وضع طارئ.
إلا أنها، عكس سفارات أخرى، لم ترفع مستوى التحذير للطلب منهم مغادرة لبنان فوراً، إذ بقيت التحذيرات عند المستوى الأول؛ أي الطلب من الفرنسيين الموجودين في الخارج تأجيل سفرهم إلى لبنان، وتم تسهيل مغادرة طلاب فرنسيين يدرسون في لبنان. مع الإشارة إلى أن لدى فرنسا خبرة في عمليات الإجلاء باعتبار أنها عام 2006 أجلت رعاياها ورعايا أوروبيين عبر بواخر كبيرة بحماية عسكرية.