“الكهرباء” تطلب تمديد الاعتماد لاتفاق الفيول مع العراق
تستمر وزارة الطاقة ومعها “مؤسسة كهرباء لبنان”، في معاندة السقوط وعدم مجاراة الإنهيار السائد، الذي يفضي ختامه الى التوقف كلياً عن الإنتاج والتوزيع وخروج الشبكات عن الخدمة.
“الكحل أحلى من العمى”، وبضع ساعات تغذية، على قلّتها، أفضل من العتمة الشاملة وإيلاء القطاع برمّته إلى عهدة أصحاب المولدات ونار فواتيرهم الملتهبة بالجشع والإستغلال.
يوم دخل الإتفاق مع الدولة العراقية حيز التنفيذ أواخر العام 2021، استطاع لبنان تأمين زيت الوقود العراقي مقابل خدمات استشفائية وسياحية وتربوية وغيرها، يقدمها لبنان للرعايا والسياح العراقيين بالتنسيق مع الجهات العراقية المختصة. هذا الإتفاق أنقذ المعامل والشبكات وجنّبها الخروج من الخدمة، وأبقاها قيد العمل ولو بحده الأدنى، ريثما تنجلي الأمور وتعود الى “مؤسسة كهرباء لبنان” القدرة على تأدية وظيفتها ودورها الخدماتي.
الاتفاق مع العراق مُدد لسنة ثالثة، مع زيادة الكميات لتتضمن تزويد لبنان بمليوني طن من النفط الخام، و1.5 مليون طن من زيت الوقود العالي الكبريت لمدة عام. وبناء عليه أرسلت وزارة الطاقة كتابا الى مصرف لبنان – مديرية القطع والعمليات الخارجية بطلب تمديد الاعتماد المستندي STAND BY CREDIT SBLC المفتوح من مصرف لبنان لمصلحة شركة تسويق النفط العراقية (SOMO)، تنفيذا لاتفاق بيع مادة زيت الوقود المجدَّد بين الجانبين العراقي واللبناني بقيمة 656 مليونا و949 ألف دولار، علما أنه تم تجديد مضمون الاتفاق بين الطرفين لسنة إضافية لتجهيز لبنان بكمية أخرى من مادة النفط الأسود بمقدار 1.5 مليون طن متري، وفقا لآلية العمل عينها الموافق عليها سابقا بين الحكومة العراقية والحكومة اللبنانية والمكرسة بموجب الاتفاق المذكور، بما يسمح بتحميل الكمية المحددة من مادة زيت الوقود الثقيل (HSFO) من شركة SOMO خلال الفترة الممتدة من 1/11/2023 ولغاية 31/10/2024 ضمناً لمصلحة وزارة الطاقة والمياه.
وذكرت الوزارة أن إطلاق المناقصات العمومية التبادلية اللازمة لشراء مادة زيت الوقود الثقيل (HSFO) من شركة SOMO، يتوقف على تمديد الاعتماد المستندي لتتمكن وزارة الطاقة من تأمين حاجات الوزارة من المحروقات، لا سيما تلبية حاجات معامل انتاج الطاقة لدى “مؤسسة كهرباء لبنان”، والحفاظ على سلامة الاستثمار وديمومته لديه، وتفاديا لانقطاع التيار الكهربائي ومنعا لوقوع البلاد في العتمة الشاملة بما يعطل المرافق العامة الأساسية (الأمن، الصحة، الاقتصاد والتجارة، الملاحة الجوية … وغيرها).
بَيد ان دولارات مصرف لبنان ممنوعة بأمر الحاكم بالإنابة وسيم منصوري من الصرف للمحافظة على ما تبقّى لديه من احتياطات، ريثما تعود عجلة الحياة الإقتصادية والمالية إلى دورتها الطبيعية. وإصرار الحاكم بالإنابة على عدم المسّ بالإحتياط، وجهوزية وزير الطاقة للتعاون، فرضا سياقا نمطيا جديدا في تمويل الدولة ومؤسساتها قوامه أن على الدولة ومؤسساتها أن تدفع من أموالها وجباياتها لتمويل مشترياتها ومصاريفها، وأن أموال مصرف لبنان واحتياطاته وبقايا أموال المودعين، لم تعد بتصرّف فواتير الدولة مطلقاً. فالأولوية اليوم هي للمحافظة على ما تبقّى من معامل إنتاج وشبكات عاملة في “كهرباء لبنان” من جهة، وأيضا حماية احتياطات مصرف لبنان بالعملات الصعبة من جهة أخرى، وهذه تحتاج الى التساند المسؤول، بين وزير يكابد لإنجاح خطته لإعادة تفعيل وإحياء “كهرباء لبنان” قدر الإمكان، وبين حاكم بالإنابة يعاند لإبعاد الإنهيار النقدي، ومنع السقوط الكلّي نحو القعر، فكلاهما يحملان كرة نار، لو وقعت، لا سمح الله، لأحرق لهيبها بقايا الإقتصاد وصبر الناس، والأمن الإجتماعي.
اجراءات احترازية
في حال وافق مصرف لبنان على تمديد الاعتماد المستندي، فإن الوزارة ستتمكن من السير باجراءات التلزيم وفقا للأصول القانونية المرعية الاجراء، لا سيما اطلاق المناقصات التعاقدية استنادا الى قانون الشراء العام، ولكن في حال حصل العكس فإن وزير الطاقة والمياه #وليد فياض وفق ما قال لـ”النهار” مضطر الى الغاء المناقصة التي أجريت للعقد الموقّع مع العراق (1.5 مليون طن على مدار العام بدءا من تشرين الثاني). وإذ يؤكد أهمية تمديد الاعتماد المستندي لتجنب إضاعة الوقت أو حصول نقص في هذه الأوقات الحرجة التي تحتاج فيها جميع المؤسسات الخدماتية إلى جهوزية إستثنائية لمواجهة أي طارىء على خلفية ما يحصل في جنوب لبنان وغزة، يأمل فياض في ألّا نصل الى الغاء المناقصة، لأن ذلك “يعني تأخير وصول الفيول، توازيا مع نفاد الكميات الموجودة في خزانات المعامل”. وقال: “لدينا 60 ألف طن من زيت الغاز في الخزانات، ونتوقع وصول شحنتين (75 ألف طن أخرى) قريبا في تشرين الثاني بموجب الاتفاق السابق تغطي كمياتها الفترة الممتدة حتى كانون الاول المقبل فقط”.
وكانت وزارة الطاقة أعلنت سابقا أن “تقديم مدة انتهاء اتفاق التبادل العراقي لغاية نهاية شهر تشرين الأول من العام 2023، بدلا من نهاية شهر تشرين الثاني 2023، وما نتج عن ذلك من رفع للكميات الشهرية الموردة بموجبها، لاسيما لشهري آب وأيلول 2023 المرتبطة بالتوازي بتقلبات أسعار المشتقات النفطية العالمية وخصوصا كل من سعري مادتي زيت النفط الثقيل العراقي والغاز أويل، استدعى اتخاذ إجراءات احترازية لناحية تأمين خزين كافٍ من المحروقات. وهذا الامر قد “يسمح بضمان استمرارية انتاج الطاقة الكهربائية واستمرار التغذية اليومية بحدود 4 إلى 6 ساعات لا أكثر (وليس كالخطة الأساسية) وذلك لغاية نهاية العام، تحسباً لأي تأخير قد يحصل في الإجراءات الإدارية المرتبطة بتجديد هذا الاتفاق للسنة الثالثة”.
مصادر مطلعة في مصرف لبنان أكدت أن “الموضوع سيُبحث في اجتماع المجلس المركزي غدا الاربعاء”. ولكن يبدو أن الامور تسير باتجاه الحلحلة وتوقيع الاعتماد، خصوصا أنه تم الاتفاق على أن المبلغ سيؤمَّن من أموال الدولة في “المركزي” مع التأكيد أن مصرف لبنان لن يتحمل أي اعباء.
بيد ان فياض لا يجد مشكلة في الشرط الذي وضعه مصرف لبنان لتمديد الاعتماد المستندي، إذ كل ما في الامر “ستنتقل مسؤولية تأدية الخدمات وتمويلها من مصرف لبنان الى الدولة، وهو أمر يمكن معالجته بين الوزارات المعنية”. ولكن هل تملك الدولة هذا المبلغ لدى “المركزي”، وهل يمكن أن يكون ذلك عائقا امام تنفيذ الاتفاق؟ يوضح فياض: “ليس من الضروري صرف المبلغ دفعة واحدة للخدمات، المهم أن نضع القطار على السكة، علما ان العراق داعم للبنان ولن يقف عند هذا الامر. يكفي أن نكون صادقين في وعودنا، ليقف العراق الى جانبنا ويستمر في دعمنا”.