أسعار النفط عالمياً ومحلياً رهن تطوّرات حرب غزّة و”سلامة” آبار المنطقة

 

لم يستحوذ قطاع اقتصادي منذ قرن تقريباً على الأولوية العالمية والاهتمام الاستثنائي، مثلما نال قطاع النفط ومنتجاته المتنوّعة، لما له من تأثير مباشر على قوى الإنتاج والتصنيع والنقل، وبناء الاقتصادات الوطنية المستقرة إنمائياً.

“عصب الاقتصاد الحديث” هو أكثر الأوصاف التي أطلقت على النفط صدقية. فالمحروقات دخلت في صلب الحياة الحديثة وبات انقطاعها أو شحّها أو ارتفاع أسعارها أحد الأسباب الرئيسية للفوضى الاجتماعية والأمنية، والتقهقر الاقتصادي والإنمائي.

في الآونة الأخيرة، لاحظ اللبنانيون تقهقر أسعار المحروقات تدريجاً، وهبوط أسعار المشتقات النفطية من بنزين ومازوت وغاز، بعدما وصل سعر المبيع المحلي إلى ما يقرب من مليوني ليرة للصفيحة الواحدة، بفعل عاملين أساسيين، الأول: ارتفاع أسعار المشتقات النفطية في الخارج وكلفة النقل، والثاني ارتفاع سعر صرف الدولار محلياً. وتراجع أسعار المشتقات النفطية، ترافق أيضاً مع استغراب شعبي لاستمرار ذلك، خصوصاً بعد اندلاع حرب غزة و”الخضة” الكبرى التي تعيشها المنطقة، والخوف الجدّي من تمدّد الحرب إلى لبنان، والتداعيات الكارثية على الإقليم في حال حصولها خصوصاً إذا ما طالت حقول النفط في المنطقة، لا سمح الله.

لكن حيرة اللبنانيين والعجب من عدم ارتفاع أسعار المحروقات عالمياً ومحلياً، تزول متى عُرف السبب. فقطاع غزة بالرغم من وقوعه على المتوسط، لا تأثير لما يحصل فيه على خطوط التصدير والاستيراد التجاري، فيما ساحات الحرب المشتعلة، أو المتوقع مشاركتها بعيدة جغرافياً ومحدودة، فيما الاستيراد الى لبنان يأتي من مصادر لا تحتاج للعبور بالقرب من المناطق الساخنة بالعمليات الحربية. عدا عن ذلك، فإن تقلص معدلات النموّ في معظم الدول الصناعية بعد كورونا، وحرب أوكرانيا وما تسببت به من سياسات شد الأحزمة في أوروبا، والتزايد المطّرد بالاتكال على الطاقة المتجدّدة، لتعويض النقص في الغاز الروسي الذي توقف استيراده شبه الكلي، جميعها عوامل أساسية فرضت هبوطاً جدياً في أسعار النفط عالمياً، وخدمت بشكل غير مباشر الاقتصادات المتعبة ولبنان بينها، وأعانتها على تثبيت الاستقرار الاستهلاكي والنقدي مرحلياً.

لكن إلى متى؟ الجواب في هذا الموضوع ليس محلياً، فالنفط ومشتقاته ومعابر استيراده شأن دولي تبتّ به أحداث وأسواق ومصالح، لا ناقة، وحتماً لا قدرة للبنان أو دور للتأثير فيه أو في أسعاره أو في توافره من عدمه.

وبالعودة الى السوق المحلية، توقع عضو نقابة أصحاب محطات المحروقات الدكتور جورج البراكس أن تبقى أسعار المحروقات على مستوياتها، ولكن ما يتخوّف منه هو أنه إذا تطوّرت الأمور دراماتيكياً على خلفية الحرب في غزة، فقد تتوقف البواخر عن التوجّه الى لبنان.

وأشار الى أن الأسعار في لبنان تتأثر بعاملين أولهما ارتفاع سعر الدولار، وارتفاع أسعار النفط عالمياً. وتالياً فإن انخفاض الأسعار هو على خلفية ثبات سعر الصرف، وانخفاض الأسعار عالمياً، لافتاً الى أن أسعار البنزين تراجعت في جدول تركيب الأسعار، إذ انخفض سعر الـ1000 ليتر 12.79 دولاراً، فيما المازوت (1000 ليتر) ارتفع نصف دولار، أما الغاز فحافظ على استقراره.

وعزا أسباب انخفاض الأسعار عالمياً، الى تراجع حجم الطلب على خلفية الحرب في أوكرانيا وارتفاع أسعار السلع في أوروبا مقابل انخفاض الإنتاج الصناعي نتيجة الانخفاض الكبير في الاستهلاك.

وكشف أن “شركات التأمين أبلغت الشركات المستوردة عن تخوفها من إرسال البواخر الى لبنان. وإذ لم ترتفع حتى الآن كلفة التأمين على البواخر القادمة الى بيروت، بيد أن الأمور كلها رهن بالتطورات التي قد تقلب المشهد كلياً”.

هل هذا يعني أنه يمكن أن نشهد أزمة محروقات قريباً؟ يؤكد البراكس أن الأمور تحت السيطرة حتى الآن، والبواخر تفرغ حمولاتها في لبنان بشكل معتاد وآخرها كان منذ يومين، والثلاثاء المقبل ثمة بواخر أخرى قادمة، لافتاً الى أن الأمور تحت السيطرة والمخزون كافٍ.

أما عن الأسعار المتوقعة في الفترة المقبلة، فيشير البراكس الى أن المازوت لن يرتفع أكثر، فيما البنزين سينخفض سعره أكثر في الفترة المقبلة، أقله خلال الأيام الـ15 المقبلة.

الأسعار عالمياً؟

حتى الآن لم تتأثر أسعار النفط بتطورات المنطقة، خصوصاً أن الحرب لا تقع في الدول المنتجة للنفط، ولكن إذا تطوّرت وشملت دولاً منتجة للنفط مثل الخليج وإيران والسعودية وقطر فستقفز الأسعار بشكل غير مسبوق، وفق ما يؤكد لـ”النهار” الخبير الدولي في اقتصادات الطاقة ناجي أبي عاد.

ولكن أبي عاد لا يتوقع تطور الأحداث، “والأمور لا تزال حتى اليوم تحت السيطرة بدليل أن الأساطيل الأميركية في المنطقة لضمان الأمان حول الدول المنتجة للنفط”.

ولا يعوّل على انخفاض أسعار النفط حالياً، “فالانخفاض هو انخفاض نسبي وغير مهم، كما أنه لا يرى أن ثمة ارتفاعاً في الأسعار في المرحلة المقبلة، خصوصاً أن المصافي التي تستهلك أكبر كميات ممكنة من النفط، ملأت خزاناتها استعداداً لفصل الشتاء، وهذا ما يفسّر انخفاض الطلب”، مشيراً الى أن “الدول التي تستهلك النفط بكثرة، هي مناطق آسيا، التي ستشهد استهلاكاً أكثر”.

ويتوقع “أن تتحرك أسعار النفط تبعاً للتطوّرات في المنطقة، فإذا دخلت إيران ودول الخليج الحرب القائمة حالياً في غزة، أو إذا تعرضت قواعد الإنتاج لأي اعتداء أو أُقفل مضيق هرمز، فلن يكون هناك سقف محدّد لارتفاع الاسعار، وحينها نكون قد دخلنا في أزمة قد لا تُحمد عقباها”.

الخبير الاقتصادي لويس حبيقة يستند في تفسيره لانخفاض أسعار النفط عالمياً الى تباطؤ الاقتصاد العالمي والتوقعات السلبية في هذا الإطار، بما يفسر أيضاً انخفاض الطلب وتالياً الأسعار، فيما زادت حرب غزة الأمور تعقيداً. وفي حال تعرّضت آبار النفط في المنطقة فإن العرض سيتأثر بما يعني أيضاً أن الأسعار سترتفع بشكل جنوني، ولكن “في الوقت الحالي

لا يزال العرض على مستواه فيما الطلب منخفض وخصوصاً ما يتعلق بوقود الطائرات على خلفية عدم انخفاض الإقبال على السفر. وإذا ذهبت الأمور الى التهدئة وحصل أي اتفاق، فإن الطلب على النفط سيتحسن مع استقرار العرض بما سيرفع أسعار النفط، علماً بأن كل الدول أخذت احتياطاتها الاستراتيجية، وبينها لبنان حيث مخزون المحروقات والمواد الغذائية كاف”، وفق ما يقول حبيقة.

Leave A Reply

Your email address will not be published.