في ظلال طوفان الأقصى عدوٌ أحمق وقصفٌ أهوج
ما زالت حكومة الكيان الصهيوني رغم كل ما قامت به ترغي وتزبد، وتهدد وتتوعد الفلسطينيين في غزة باجتياح قطاعهم، وتدمير بنيانهم، وتخريب أرضهم، وتعطيل مرافقهم وتغيير معالم مناطقهم، ثأراً وانتقاماً من حركة حماس، التي باغتتهم ونالت منهم، وصدمتهم وروعتهم، وألحقت بهم خسائر ما كانوا يتوقعون يوماً دفعها، أو التعرض لها في حياتهم أبداً، إذ اعتبروا أن زمن الهزائم قد ولى، وحروب المفاجئات قد انتهت، والجيوش التي كانت تهددهم قد ضعفت وتفككت، وعقيدتها القومية قد تلاشت، وبات قادتها أصدقاءً لهم وحلفاءً معهم، ولا يوجد بعدهم من يتجرأ عليهم أو يعتدي عليهم ويهدد أمنهم، فاطمأنوا إلى قوتهم واستعلوا، وركنوا إلى سلام المطبعين معهم وبطشوا، واستفردوا بالفلسطينيين وقصفوا، ظانين أنه ضعيفٌ وحده، وعاجزٌ بمفرده، وأنها مسألة أيامٍ ويسقط ويذعن.
إلا أن المقاومة الفلسطينية كذبتهم والمواجهة فضحتهم، ووجدوا أنفسهم في رحى معركةٍ لا ترحم، وبين رجالٍ لا يهابون مواجهتهم ولا يترددون في قتالهم، ولا ينتظرون هجومهم بل باغتوهم بالهجوم عليهم، وانقضوا عليهم في بلداتهم ومستوطناتهم، واقتحموا قواعدهم ومقراتهم العسكرية ومعسكرات تدريب جنودهم ومستودعات أسلحتهم، وخاضوا معركةً على مساحةٍ من الأرض هي ضعف مساحة قطاع غزة، على طول خمسين كيلومتراً وعمق ثمانين، قتلت فيها مئات الجنود والضباط، وساقت العشرات منهم أسرى إلى قطاع غزة، وأظهرت للعدو أنه وجنوده أضعف ما يكونون عند المواجهة، وأجبن ما يظهرون عندما يتقابلون وجهاً لوجه، بعيداً عن الطائرات التي تساندهم، والجدران التي تحميهم، والدبابات التي تقويهم.
لم يستفق العدو الصهيوني من هول الصدمة، ولم يتمكن من امتصاص حجم الضربة، ووقف مذهولاً صامتاً عاجزاً عن فعل شيءٍ أمام المقاومة، فلجأ بعد ساعاتٍ طويلةٍ بعد المعركة الى قصف أهداف مدنية سكنية وشعبية في القطاع، ودمرت حمم صواريخه مدارس ومساجد وبيوت وأسواق، في قصفٍ أعمى أهوج وحشي، نفذته طائرات هجومية وبوارج حربية، تساندها مدافع الميدان والدبابات التي أحاطت بالحدود الشرقية لقطاع غزة فيما يشبه السور الحديدي، وأحدث القصف المتواصل المجنون ليلاً ونهاراً دماراً كبيراً في أرجاء القطاع، وتسبب حتى الساعات الأولى من اليوم الخامس على انطلاق معركة “طوفان الأقصى”، في استشهاد أكثر من 1000 فلسطيني، وإصابة أكثر من 5500، وما زال القصف مستمراً، تدميراً للمباني ومسحاً لبعضها من الوجود، ونقباً للأرض وحرثاً للشوارع والطرقات.
لا يبدو أن العدو سيتوقف عن قصفه، أو سيتراجع عن غيه، فهو ما زال تحت هول الصدمة مشدوهاً ومذهولاً، فاقداً عقله وغير مدركٍ لما يجري حوله، بعد أن أفقده طوفان الأقصى رشده وسلبه وعيه، فغدا كالثور الهائج يبحث عن هدف، ويتطلع إلى كسب، مدفوعاً بمشاعر الحقد وغرائز الانتقام الأسود، مما يرجح أنه سيمضي قدماً في عملياته الوحشية التي بدأ بها، متسلحاً بالولايات المتحدة الأميركية التي تؤيده وتشجعه، وبدول أوروبا الغربية المريضة نفسياً التي تتفهمه وتبرر جريمته، ومستفيداً من صمت الدول العربية وعجزها، التي لا تمارس دورها وكأن ما يحدث في غزة لا يعنيها وليس من شأنها.
لكن العدو يخطئ كثيراً أنه بهذا القصف المجنون المؤيد بالصمت الدولي المخزي، والتأييد الأميركي المعيب، يستطيع أن يجبر الشعب الفلسطيني الذي ذاق مرارة الحروب السابقة، وعاش ويلاتها، واكتوى بنيرانها، وتعرض لما يتعرض له اليوم، وأن يدفعه الى الخضوع والخنوع، والتسليم والاستسلام، والتخلي عن المقاومة، فهذا حلمٌ بعيد المنال، وغايةٌ مستحيلةٌ لن يدركها، فالفلسطينيون قد عرفوا عزة المقاومة، وشرف القتال، وذاقوا حلاوة النصر وكرامة القوة.
موقف روسيا الرسمي إزاء الحرب الإسرائيلية الوحشية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة مقبولٌ، وهو أفضل بكثير من مواقف العديد من الدول العربية والإسلامية، فقد دانت الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة واستنكرتها، واعتبرتها عدواناً صارخاً وتهديداً للسلم والأمن في المنطقة، وحذرت من اتساع نطاق الصراع وأنه سيؤدي إلى عواقب وخيمة على المنطقة كلها، ودعت الكيان الصهيوني إلى التوقف عن العدوان على قطاع غزة فوراً.
وكان موقفها قد جاء على لسان رئيسها فلاديمير بوتين، رغم همومها ومشاكلها، وأزماتها والتحديات التي تواجهها في حربها ضد أوكرانيا، فهي لا تحاربها وحدها فقط، وإن كانت المعارك تدور على أرضها وفي أجوائها، إلا أنها تقاتل الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا الغربية وكندا واستراليا، الذين يمدون أوكرانيا بالمال والعتاد وبكل أنواع السلاح، ويساندونها في موقفها ضد روسيا.
لا يخفى على القيادة الروسية أن الفلسطينيين قد وقفوا إلى جانبها، وأيدوها في حربها ضد أوكرانيا، ولم يترددوا في الاصطفاف معها ومساندتها بالقدر الذي يستطيعون، فهم يعلمون أنها تقاتل الولايات المتحدة الأميركية ونحن ضدها، ونعتقد أنها سبب أزمتنا، والسند الرئيس للكيان الصهيوني الذي يقاتلنا بها، ويفتك بنا بسلاحها، ويستقوي علينا بقوتها.
ويعلم الرئيس الروسي أننا لم نكن مع القيادة الأوكرانية التي أعلنت قبل حربها ضدكم وأثناءها تأييدها للكيان الصهيوني ضدنا، وأنها تتفهم دواعي خوفه وحاجاته، وتشعر بالمخاطر التي يتعرض لها والتهديدات التي تواجهه من الفلسطينيين، وما علمت القيادة الأوكرانية أن فلسطين لنا ونحن أصحابها وأهلها، وأننا سكانها منذ كانت وسنبقى فيها إلى أن تزول الأرض والسماوات وما فيهما.
وربما استشعر الرئيس الروسي الخطر على الأمن القومي لبلاده نتيجة رسو المدمرات الأميريكية في شرق المتوسط، بعد أن أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن تحركها قبالة الشواطئ الفلسطينية، رغم أنها جاءت لدعم العدوان الإسرائيلي وتشجيعه على المزيد، ولإسناده وتزويده بالذخائر والمعدات، وتعويضه عن النقص وتلبية الحاجات، إلا أن الرئيس الروسي حذر من أن حاملات الطائرات الأميركية لم تأتِ إلى المنطقة لقصف المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، أو لقصف حزب الله في لبنان، بل جاءت لإرهاب وتخويف كل الأطراف الأخرى التي من الممكن أن تشترك في الحرب ضد الكيان الصهيوني.
ليعلم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن انتصار المقاومة الفلسطينية انتصارٌ لبلاده، واستقرارٌ للمنطقة، وضمانة لمصالحه، وتأمينٌ لخطوط غازه، ونهاية للتفرد الأمييكي والهيمنة الغربية المتوحشة، وهو أيضاً نجاة له من المؤامرات الأميركية والغربية التي تآمرت عليه واجتمعت ضده، وهي تحصينٌ لمواقفه، وتحسين لظروفه وشروطه في حربه ضد أوكرانيا، ولعله يعلم أن الحكومة الإسرائيلية قد دعمت الحكومة الأوكرانية ضد بلاده، وزودتها بأسلحة فتاكة وصواريخ مدمرة وقنابل ذكية ومضادات ومسيرات ومعدات عسكرية كثيرة، وأنها ما زالت ترفدها بالخبراء والفنيين الذين يشاركون في وضع الخطط لإضعاف روسيا وإلحاق الهزيمة بها.
استناداً إلى ما سبق وبناءً عليه فإننا نحن الفلسطينيين في الوطن والشتات، وباسم أهلنا في قطاع غزة ندعوك وبلادك للوقوف معنا ومساندتنا، ونطلب منكم التدخل لحماية شعبنا ومنع إبادته بالآلة العسكرية الأميركية المدمرة، ولتكونوا شركاء معنا في هذا الانتصار، فنحن أقسمنا أن ننتصر، وها هي بشائر النصر تتراءى من قريبٍ لا من بعيدٍ، ولتعلم أن تدخلك شرف، ووقوفك إلى جانبنا رفعة لبلادك، وتمكينٌ لها في الشرق، وانتصارٌ لها ضد أميركا والغرب، فنحن وإياكم أهل الشرق الأصيل، وأصحاب الأرض وشركاء التاريخ، فعجل بقرارك، ولَوِّح بسلاحك، وهدد بقوتك واضرب بقبضتك، واستذكر مجد من سبقك.