“اليونيفيل” لحظت خرق الـ1701: نيران من الجانبين اللبناني والإسرائيلي
صدّعت المعارك النارية التي أَعلَنَت أصوات المواجهة وأَعلَتْ أصداءها على الحدود الجنوبية اللبنانية – الإسرائيلية الأسس التطبيقية للقرار 1701. وكاد الاشتعال الناريّ بالقذائف والصواريخ والنيران المتبادلة بين “حزب الله” والجيش الإسرائيلي إضافة إلى التوترات الحدودية ومحاولات التسلّل، أن يُزعزع الأرضية الشاملة لـ”الوقف الدائم لإطلاق النار” الذي يشكّل عصارة مضامين الـ1701 لولا تقلّص وتيرة الاحتراق النزاعيّ وبداية إخماده في الساعات الماضية، مع استمرار تواصل قوّات حفظ السلام مع الجانبين المتصارعين بهدف العمل على إعادة استتباب الاستقرار الأمنيّ في المنطقة. وإذا كانت التساؤلات تتمحور حول نوعية الملاحظات التي انبثقت بُعَيد النزاعات على المقلبين اللبناني والإسرائيلي، فإنّ المعلومات التي استقتها “النهار” استناداً إلى معطيات مصادر رسمية في قوات “اليونيفيل”، تشير إلى أنّ تفاصيل المجريات الحاصلة في الأيام الماضية أكّدت حصول خروقات للقرار 1701 على مستوى الجانبين اللبناني والإسرائيلي على حدّ سواء. وجرى ذلك، من خلال تبادل إطلاق النار وتقاذف الصواريخ بين الطرفين ما أثار ملاحظات لدى حفَظَة السلام، خصوصاً أنّ دورها الأساسيّ يتمثّل في محاولة الحفاظ على الاستقرار ومراقبة تطبيق القرار 1701.
وتجدر الإشارة إلى أنّ تقويم “اليونيفيل” للأوضاع العامّة في الجنوب اللبناني يوم الثلثاء أشار إلى أوضاع بدت أقلّ حدّة مقارنة مع يوم الاثنين تحديداً وما سبقه، مع التأكيد على استمرار قوات حفظ السلام في التحدّث مع الأطراف المتنازعة بهدف تهدئة الوضع وتخفيف التوتّر ومنع تفاقم سوء التفاهم. وإذ تمثّل خرق القرار 1701 تحديداً في تبادل إطلاق النيران والصواريخ بين لبنان وإسرائيل، فإن قوات “اليونيفيل” سجّلت حدوث هذه الخروقات من الطرفين. وتتركّز توصياتها كقوات حفظ السلام خلال الأيام المقبلة إزاء هذه المستجدات في الحرص على ضمان الاستقرار في الجنوب اللبناني وعلى طول الخطّ الأزرق، وعُلم أنها ستبقى على تواصل مع كافة الأطراف التي دخلت الصراع في محاولة هادفة إلى تجنيب المنطقة المزيد من التصعيد وزهق الأرواح البشرية وعدم إضافة المزيد من الخروقات للقرار 1701. وإلى ذلك، قامت قوات “اليونيفيل” في زيادة قدراتها المضادة للاهتزازات من خلال الرادارات القادرة على كشف مصدر إطلاق الصواريخ.
تُعتَبر جميع الاشتباكات النارية الطابع التي شهدتها الحدود الجنوبية اللبنانية – الإسرائيلية في الأيام الماضية من الجانبين بمثابة خرق واضح لمندرجات القرار 1701، ما يشمل إطلاق النار المتبادل بين “حزب الله” والقوات الإسرائيلية والقصف المدفعي وتسلّل أشخاص عبر الحدود اللبنانية الجنوبية والغارات الإسرائيلية على الجنوب اللبناني وهجوم “حزب الله” بالصواريخ الموجهة وقذائف الهاون على ثكنات إسرائيلية ومركز قيادة فرقة الجليل. وفي استطلاع نصّ مضامين القرار 1701 الذي صدر بالإجماع عن مجلس الأمن الدولي عام 2006 من أجل وقف الحرب في لبنان حينذاك، يتظهّر أن الاشتباكات الحاصلة جنوباً قبل ساعات تنقض جوهر الـ1701 وأسسه حيث نصّ في بنده الأول وقتذاك على وقف كامل الأعمال الحربية والارتكاز خصوصاً على ضرورة وقف “حزب الله” الفوري لكلّ هجماته العسكرية ووقف إسرائيل لعمليّاتها العسكرية أيضاً. وركّز القرار على تعزيز نشر جنود تابعين للأمم المتحدة بهدف مساعدة الجيش اللبناني على فرض تطبيق وقف إطلاق النار. وكذلك، أكّدت مندرجاته على ضرورة بسط الحكومة اللبنانية سلطتها على كافة الأراضي اللبنانية وممارسة سيادتها بشكلٍ كليّ وعدم وجود أي سلاح بلا موافقتها وعدم وجود أي سلطة غير تلك التي تمارسها الدولة اللبنانية. وينصّ في البند الرابع على الدعم الحازم للاحترام الصارم للخطّ الأزرق وهذا ما جرى خرقه أيضاً خلال الاشتباكات. وتنافت المعارك مع البند الذي ينصّ على التمسّك الثابت بسلامة الأراضي اللبنانية وسيادتها كما ورد في اتفاق الهدنة عام 1949. وكذلك، أكّد القرار في الفقرة 8 على دعم توصّل إسرائيل ولبنان إلى وقف دائم لإطلاق النار وحلّ طويل الأمد، وهذا ما جرى خرقه.
في غضون ذلك، تعبّر أوساط لبنانية مراقبة متضلّعة من الشؤون العسكرية ومعارضة لـ”حزب الله” عن قراءة متشائمة نسبياً وغير تفاؤلية للارتدادات التي أسفرت عنها النزاعات المسلحة في الجنوب اللبناني، مضيئة على المحاولات التي حاول الاضطلاع بها مكتب الأمانة العامة للأمم للمتحدة في بيروت ومجلس الأمن الدولي بغية ترميم ما يسمّى قواعد الاشتباك خلال الساعات الماضية. لكن، لا يمكن ترجيح التزام لبنان بمندرجات القرار 1701 في المرحلة المقبلة وهذا ما تعبّر عنه ملاحظات الجهات السياسية المعارضة لفريق “الممانعة”، طالما أنّ “حزب الله” مستمرٌّ في بسط سلطته وإرادته ما يجعل الأخذ في الاعتبار مضامين الـ1701 حكراً على ما يريد “حزب الله” تطبيقه حصراً إضافة إلى احتكاره ورقة السلم والحرب والتموضع جنوباً في غياب قدرة الدولة اللبنانية على بسط سلطتها في تلك المنطقة واحتكامها إلى التنسيق وإياه، لا العكس. وما يثير علامات استفهام جلية من منظار المراقبين المعارضين لـ”حزب الله” هشاشة القدرة على ضبط الحدود البرية الجنوبية التي لا تتّخذ فيها تدابير صارمة تمنع أيّ تسلّل أو انزلاقات أمنية، في ظلّ إجراءات عشوائية الطابع من المتحكّمين في زمام القرار واستقالة الدولة عن دورها ما لا يترك مجالاً للحديث عن كيفية تطبيق فحوى مضمون القرار 1701 إلّا كما يريده “حزب الله” الذي يضع قواعد الاشتباك في المنطقة بحسب ما يناسبه بلا استشارة الدولة.