الدوحة صفّرت الترشيحات: ميني مبادرة غير مقفلة مفتاحها التوافق
تباطأ مسار الحراك القطري، تماما كحال المبادرة الفرنسية. لكن هذا التباطؤ لا يبدو أنه سيثني الطرفين عن الاستمرار في مسعاهما، المتقاطع حينا والمتنافر حينا آخر.
معمودية النار هذه مرّت فيها باريس سابقاً قبل أن تستعيد نسبيا الاتّزان وتعيد تصويب خطواتها وما أصاب صورتها من تهشيم، وخصوصا عند المسيحيين الذين هالهم ما ذهبت إليه من تسويات صاغها قلم مصلحيٌّ بامتياز مستفيدا من حضوره في الحلقة الرئاسية الضيّقة.
ومعمودية النار الفرنسية هذه أفادت منها الدوحة لكي تتجنّب الوقوع في المطبّات التي أنهكت الإليزيه. فكانت أن صاغت هي الأخرى ميني مبادرة غير مقفلة تأخذ في الاعتبار مجموعة الفيتوات التي واجهت المبادرة الفرنسية وأوصلت إلى الإطاحة بالثنائية الرئاسية الشهيرة. فكان التوافق هو المفتاح السحري الذي سهّل على القطريين الكثير من المشقّات.
غير ان هذا الواقع لا يعني ان الدرب ليست شائكة، وستستمر كذلك طالما يسلّم اللبنانيون أمرهم إلى الخارج بكل تناقضاته ومصالحه.
كان من المقرّر أن يزور بيروت يوم الخميس 5 تشرين الأول، وزير الدولة في وزارة الخارجية القطرية محمد بن عبد العزيز الفليحي، لكن الزيارة أرجئت بفعل عدم اكتمال مهمة الموفد الأمني جاسم بن فهد آل ثاني. اما موعد مجيء الموفد الرئاسي الفرنسي جان – إيف لودريان فلا يزال غير محسوم، علما أن التوقيت المبدئي حُدّد في 15 تشرين الأول.
1- قطرياً، تيقّن الوسيط القطري بأن السعي إلى إقناع الثنائي الشيعي بالتخلي عن ترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية والذهاب نحو خيار إسم ثالث يريح حزب الله تحديدا، لن يصل إلى نتيجة طالما فرنجية نفسه بقي على ترشّحه. لذا قرّر الذهاب مباشرة نحو المصدر، في محاولة لاقناع رئيس تيار المردة بالانسحاب على قاعدة سلة مغريات ومكتسبات عُرضت عليه مرّتين في الأيام الأخيرة.
صحيح أن المحاولتين الأولى والثانية شابهما بعض التعثّر، لكن الوسيط القطري لا يزال يقيم على قناعة بإمكان تحقيق الخرق المطلوب والمأمول، وهو ما لمسه ممن التقاه من القيادات في الساعات القليلة الفائتة. وهو لا يوفّر جهدا من أجل تسليك درب بنشعي نحو الانسحاب التدريجي مع الإحاطة بالظروف النفسية التي يجب توافرها كذلك من أجل إكمال هذا المسار.
توازياً، قرّرت الدوحة تصفير الترشيحات الرئاسية، بحيث تشطب أي إسم من شأنه أن يشكّل مادة خلافية بين الأفرقاء المعنيين، ولا سيما المسيحيين منهم. هي بذلك تتعاطى بواقعية (تأخر الفرنسيون في التقاطها) مع الملف الرئاسي، بعدما صارت على قناعة بأنه لن يكون للبنان رئيس لا ترضى به أو ترتضيه الأحزاب التي تمثّل الوجدان المسيحي العام، وتحديدا التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية. لذلك تفاجأ من التقى الموفد الأمني القطري في بحر هذا الأسبوع بتعديل لحق بقائمة الترشيحات. إذ خلت من إسميّ قائد الجيش العماد جوزاف عون والنائب نعمت إفرام، مع تأكيد على أن النقاش مفتوح على أي احتمال رئاسي يحظى بالقدر الأكبر من التوافق الوطني والمسيحي.
تأسيسا على ذلك، تقرّر إرجاء زيارة الوزير الفليحي إلى موعد يحدّد في ضوء تقدّم مهمة آل ثاني، أو أي تطور آخر يسجّل في هذا الصدد.
2- فرنسياً، تأكد أن لودريان نجح في استخراج اهتمام سعودي بدعم مهمّته بعد التغيّر الذي أحدثه باستبعاده فرنجية من لائحة المفضّلات الفرنسية، وتاليا اقفال الباب على المبادرة السابقة التي قامت على ثنائية رئيس للجمهورية يوافق عليه حزب الله ورئيس حكومة توافق عليه القوى المناهضة له. ولا ريب أن هذا الرافد السعودي يشكّل تعزيزا لجولة لودريان الرابعة. لكن كُلًّا من الرياض وباريس لا تتوهمان بأن المهمّة سهلة، بالنظر إلى المعوقات المحلية المتمثّلة في انتفاء الثقة بين القيادات السياسية، إلى جانب حضور الجانب الخارجي، وتحديدا التأثير الذي تملكه كل من واشنطن وطهران. ولا يبدو أنهما راهنا في صدد تسهيل الإنتخاب الرئاسي لجملة أسباب، في طليعتها ضعف الورقة اللبنانية وتأخرها في جدول الأولويات.
وتخشى باريس مخاطر التحلّل الذي يصيب لبنان ومؤسساته. صحيح أنه تحلّل بدأ بطيئا، لكنه مرشّح إلى التسارع في الأشهر الفاصلة عن نهاية السنة. وهذا التحذير سيكون في صلب الزيارة المقبلة للموفد الرئاسي الفرنسي.