برّي نعى مبادرته ولم يقدم على أخرى تفتح المجلس… لماذا؟
ما بين “عاشق” فرنسي تنتظر البلاد عودته استكمالاً للمهمة الرئاسية المكلف بها، و”مشتاق” قطري مدّد إقامته في بيروت بسبب التعقيدات التي تواجهها وساطته، جاء نعي رئيس المجلس نبيه بري لمبادرته الحوارية مقروناً بعدم إطلاق أي مبادرة أو دعوة أخرى تحرك مشهد المراوحة، ليؤكد عودة الأمور الى مربعها الأول وسط تمسك كل فريق سياسي بمربعه، ورفضه الخروج منه.
لم يحدد الموفد الفرنسي جان إيف لودريان موعداً لعودته الرابعة وربما الأخيرة الى بيروت، رغم أنه أعلن أنه مستمر في المهمة التي كلفه بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بل بمقاربة جديدة ومختلفة تنحو نحو التسويق لخيار ثالث، من دون الدخول في الأسماء. وفي الانتظار، يستمر الموفد القطري جاسم بن حمد آل ثاني في مساعيه الرامية الى التقريب في وجهات النظر بين القوى المتصادمة، بهدف الوصول الى تفاهم على الخيار الثالث، مع كل ما يتطلبه الأمر من إغراءات مالية وسياسية، من دون أن يحصد حتى الآن أي نتيجة إيجابية، فيما ذهب الرئيس بري الى دفن مبادرته التي وُلدت في الأساس ميتة، في ظل رفض أكثر من فريق مسيحي وازن المشاركة فيها، من دون أن ينتقل الى الخطوة الثانية التي ينص عليها الدستور أساساً وتقضي بفتح أبواب المجلس أمام جلسة انتخاب بدورات متتالية، كان قد وعد بها عقب الحوار، مهما تكن نتائجه.
في أوساط المعارضة من يسأل عن الأسباب التي تحول دون انتقال بري الى هذه المرحلة التي يفرضها الدستور، ولا سيما أن نتائج الحوار قد تكشفت بقطع النظر عما إذا انعقدت الطاولة أو لم تنعقد. والى متى سيستمر رئيس المجلس الذي عمد الى تعطيل جلسات الانتخاب تحت ذريعة الحوار في هذا السلوك؟ وهل هو ينتظر التسوية الإقليمية والدولية ليفتح المجلس أمام انتخاب رئيس التسوية، كما حصل عام ٢٠٠٨ عندما سقط وحي الوساطة القطرية على القوى السياسية فتوافقنا على انتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً؟
ترد أوساط عين التينة بالقول إن رئيس المجلس لا يقف على الحياد أو متفرجاً بمجرد أنه علّق مبادرته، مشيرة الى أنه بادر الى هذا التعليق بعدما رأى استحالة السير فيها في ظل استمرار رفض عدد من المكونات السياسية لها. وتضيف أن بري أخذ مسافة ليترك الفرصة للمبادرات الخارجية التي تتحرك على خطّي باريس والدوحة بتكليف من مجموعة الدول الخمس لعلها تنجح في الوصول الى تقريب وجهات النظر التي عجز عن القيام بها عبر مبادرة حوارية داخلية، خصوصاً أن كل الأفرقاء يؤكدون في مواقفهم أن أي جلسة انتخاب اليوم وسط التمترس السياسي الحاصل لن تؤدي الى إنجاز الانتخاب ما دام المرشحان المطروحان لا يملكان حظوظاً في حصد أكثرية نيابية، وقد كانت جلسة ١٤ حزيران الفائت أبرز دليل على ذلك.
يرد المكتب السياسي لحركة “أمل” على الاتهامات بالتعطيل التي يتعرض لها بري، فيقول في بيان أمس إن “حال المراوحة وتصعيد الخطاب السياسي من بعض القوى التي راهنت على تفكك وتحلل الدولة وإدارتها عبر استمرار الدفع باتجاه تعطيل المؤسسات الدستورية وصولاً الى التشكيك في المؤسسات العسكرية والأمنية بما ينذر بتصعيد المخاطر، تفرض على الجميع إعادة النظر بقراءتهم للمخاطر، وتسهيل أي مسعى يؤدي الى التفاهم على حل المسائل العالقة”. وإذ لم تشر الحركة الى المساعي المقصودة، وهل هي المساعي القطرية أو الفرنسية أم مساعي بري نفسه، تدعو الجميع الى “أن يعوا أن المكابرة ورفع السقوف في الخطاب السياسي والتشكيك لن يوصل إلا لمزيد من قلق ويأس اللبنانيين من هذه القيادات ومستقبلها”.
هذا الموقف، معطوفاً على المواقف التصعيدية المقابلة ولا سيما آخرها لرئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل، يقود الى خلاصات غير متفائلة حيال الأزمة الرئاسية، إذ تشهد الأمور تراجعاً حتى على صعيد مقاربة المرشح الثالث، وتطيير السيناريو الذي تعمل عليه الدوحة بتكليف من الخماسية، وسط محاولات حثيثة لإخراج قائد الجيش من السباق الرئاسي، ما يشي بحسب مراقبين بأن الأمور عادت مجدداً الى المربع الأول، وأن الأفق مسدود ما لم تصل المساعي الى إنضاج تسوية خارجية تضع الجميع أمام الأمر الواقع!