الإجراءات العقابية ليست خياراً سهلاً

ما هي أدوات السياسة الأخرى التي يمكن ان تأتي بها وساطة دول الخماسية من اجل دعم هدفها بانهاء الشغور الرئاسي ودفع القوى السياسية الى اجراء الاصلاحات الضرورية ؟
السؤال مبني على خلفية ان بعض العواصم المؤثرة هددت في وقت من الاوقات بفرض عقوبات على معرقلي الاستحقاق الرئاسي فيما ان اللجنة الخماسية التي اجتمعت في الدوحة اخيرا لوحت بالجزرة والعصا كذلك. وفي ظل انتقاد المدى الزمني الذي استغرقته الوساطة الفرنسية حتى اقتنعت بان المعادلة التي اقترحتها او تبنتها لن تنجح واضطرت الى تعديل موقفها في اتجاه الاقتناع بالذهاب الى المرشح الثالث ، لا يعتقد سياسيون ان المدى الزمني سيكون مفتوحا امام الوساطة القطرية كذلك التي سبق ان عرضت لاغراءات يعرفها اهل السلطة على نحو جيد فيما ان الاجراءات العقابية التي هددت بها اللجنة الخماسية ليست واضحة تماما.

حتى ان الموفد الفرنسي جان ايف لودريان نبه في الحديث الذي ادلى به الاسبوع الماضي من ان الدول الخمس التي تتابع الملف اللبناني، أي فرنسا والسعودية ومصر والولايات المتحدة وقطر، بدأت تفقد صبرها وتهدّد بوقف الدعم المالي الذي تقدمه للبنان ” مكررا ” ان الدول الخمس موحدة تماماً، ومنزعجة للغاية، وتتساءل عن جدوى استمرار تمويلها للبنان، في وقت يتمادى المسؤولون السياسيون في عدم تحمّل المسؤولية”. وازاء تحفظ فرنسا عن فرض اي عقوبات لم تجار فيها سابقا لا الولايات المتحدة ولا الدول الخليجية او حتى بعض الدول الاوروبية يستبعد سياسيون كثر حتى المقاربة التي اثارها لودريان اقله من جانب فرنسا .

اذ ان مصالحها المحتملة الكبيرة مع ايران تمنعها من ان تخطو خطوات في هذا الاتجاه بحيث تموضع في موقع استعداء فيما ان الثنائي الشيعي الذي يعلي موضوع الحوار لا يسهل الوصول الى اتفاق على مرشح ثالث وقبلا انتخاب رئيس جديد بخروج الكتلتين الشيعيتين من جلسات انتخاب رئيس الجمهورية . فيما انه وفيما كثر الحديث عن عقوبات اميركية على معرقلي الانتخابات وذكر في هذا الاطار اسم الرئيس نبيه بري، فان الزيارة التي قام بها مستشار الرئيس الاميركي لشؤون الطاقة اموس هوكشتاين لبري لدى زيارته للبنان اخيرا دحضت هذا الاتجاه الذي كان يدفع به الكونغرس الاميركي. واثار موضوع العقوبات نقاشا في واشنطن حول وجوب اعتمادها في الموضوع الرئاسي ام لا فيما اسديت نصائح من جانب خبراء او سفراء سابقين يتردد ان السفير السابق ديفيد هيل احدهم حول وجوب الحذر في صياغة اسباب العقوبات واهدافها انطلاقا من ان تعطيل الثنائي الشيعي جلسات الانتخاب حتى الان لا يغني عن احتمال تعطيلها من قوى سياسية اخرى اذا لزم الامر .

وفي الاصل فان النقاش حول العقوبات التي تطاول سياسيين في شكل خاص قائم على خلفية مدى امكان نجاحها ام لا وما اذا كانت تشكل ضغطا كافيا يدفع السياسيين المعنيين الى تعديل سلوكهم . والتهديد بالعقوبات او اجراءات عقابية كان يجب ان يكفي من اجل تعديل السلوك ولكن الامر لم يحصل لا سيما ان بري ينام على حرير ان لا بديل منه للحوار مع الطائفة الشيعية ويملك اوراقا في رئاسته للمجلس يستخدمها لمصلحته من دون ان يخضع لاي ضغوط الان لعقد جلسات انتخابية متتالية او لكي يفعل ذلك على غير الشروط التي يطالب بها عبر ايام عدة للحوار .

ويقول سياسيون ان ادهى ما يمكن ان يحصل هو ترك القوى السياسية تتدبر امرها بنفسها علما ان الامر مختلف راهنا عما كانت عليه الحال في الاشهر الاولى للفراغ حين كانت الامور رهنا بهذه القوى من دون دخول خارجي على الخط. فاذا لم يتأمن للوساطة القطرية النجاح على غرار الوساطة الفرنسية ، فان اعتكاف دول الخماسية عن اي تحرك جديد ربما يضع القوى السياسية امام تحديات اكبر تبدأ بوعي ان لا امكان للحل الا بمحاولة النزول عن السلم بعض الشيء . فحين ترك اللبنانيون وحدهم في شهر آب حين اقترح بري عقد سبعة ايام من الحوار فانما على خلفية البناء على ما سيأتي به لودريان بعد العطلة الصيفية.

وينبغي ان تشترط الوساطة القطرية او ربما الفرنسية مجددا وجود رغبة لدى القوى السياسية في الوصول الى اتفاق على غير الشعارات او المواقف المعلنة التي لا تترجم عملانيا في اي مكان . فيما ان العكس اي الاهتمام الخارجي باقفال الازمة باي ثمن يتيح لهذه القوى ان ترفع سقوفها قدر ما تشاء من دون اي رادع او لادراكها ايضا ان هناك عقبات خارجية تمنع الوصول الى حل فيتم تضييع الوقت بمواقف ومزايدات شعبوية يعتبر كثر ان افدحها ما يعلنه رئيس التيار العوني جبران باسيل في ظل نشاطه” الانتخابي ” في المناطق. فيثير الاهتمام مثلا بمطالبته الحكومة الى الاجتماع من اجل ان تتخذ اجراءات حاسمة في موضوع النازحين السوريين فيما انه وهو الفريق المسيحي الاساسي المشارك في الحكومة يقاطع اجتماعاتها ويمنع عبر هذه المقاطعة اتخاذ الحكومة اجراءات فاعلة .

وهذا ليس دفاعا عن الحكومة ولكن هذه الاخيرة وحين دعت الى اجتماع لمناقشة موضوع النازحين تغيب وزراء التيار كأنما الامر لا يعنيهم او لا يودون اتخاذ موقف يحرجهم بعيدا على غرار مطالبتهم الحكومة على سبيل المثال باقفال الحدود والتيار شريك مؤثر فيها ويفترض انه يشارك في اتخاذ قرار يرميه على الاخرين وتحديدا على رئيس الحكومة . وهو يرمي تبعات مسؤولية الرقابة على الحدود وضبطها على قيادة الجيش في معرض استهداف قائده الذي لا يريده باسيل رئيسا للجمهورية ويعلي الصوت لكي تسمعه دول الخماسية لان ليس الشعب اللبناني من يقترع للرئيس العتيد ، فيما انه يعفي حليفه الشيعي من اي انتقاد في موضوع النازحين السوريين كما في موضوع الحدود والتهريب عبرها او كذلك يعفي النظام السوري من مسؤولية عدم ضبط الحدود السورية في اتجاه لبنان. وكل هذا يعود الى العقوبات الاميركية التي فرضت عليه فيما يثير اداؤه جدلا ما اذا كانت هذه العقوبات مفيدة ما ادت الى محاولاته هذه في اشكالية تموضعه مع الحزب وليس معه في الوقت نفسه ومع المعارضة وليس معها في سعيه الى التخلص من هذه العقوبات بعدما حطمت فرصه الرئاسية، ام لا .

ولكن هذا الخيار اي اهمال الاهتمام بانهاء الازمة ليس بالخيار الملائم لدى الدول المعنية لاعتبارات متعددة معروفة في غالبيتها علما ان اتفاقها في الخارج لا ينهي ازمة الرئاسة لان جزءا مهما يتعلق بضرورة ان تنجز القوى السياسية الاصلاحات وهي تتلاعب لكي يعفيها الخارج من القيام بها وتبقي على قديمها كما هو مع الجزر التي يتم الوعد به .

Leave A Reply

Your email address will not be published.