الحفر في “قانا” على مسافة 750 متراً من المكمن المحتمل… وتعديل الموقع تقني
يأمل اللبنانيون في أن يكون التقرير الأوّلي المنتظر لـ”توتال” عن نتائج الحفر الذي باشرته منذ آب الماضي في البلوك الرقم 9 ايجابيا، وما قد يتم إكتشافه من غاز أن يكون بكميات تجارية قابلة للتصدير، ما يعيد بعض الأمل الى أبناء هذا الوطن المنكوب، بأن ما تحت البحر متى قُيّض لنا إستخراجه، قد ينقذ في ما لو أُحسِنت إدارة إنتاجه وبيعه، من يعيشون فوق الأرض على آمال طالت.
لكن الآمال المفرطة تأتي خيباتها أحيانا أكثر إفراطا. لذا يحرص المتابعون للملف النفطي على ألّا يطلقوا الوعود جزافا. فالبعض في لبنان لديه دائما قصة مختلفة، وربما مختلقة أيضا لأي حدث، لا تدخل صدقية التصريح، أو المصلحة العامة في حساباته السياسية أو الأخلاقية.
فما تداولته وسائل إعلام عن تبديل في العقد الموقّع بين الدولة اللبنانية وشركة “توتال” قد تم، وأن تعديلا قد أجرِي على خرائط الحفر والمهل الزمنية، كاد لولا مسارعة المعنيين الى التوضيح، أن يطيح الآمال المعقودة على هبة الطبيعة التي ينتظر أخبارها اللبنانيون على أحر من الجمر. فالتصريحات “غير البريئة”، وفق تعبير رئيس مجلس النواب نبيه بري، التي تحدثت عن معطيات لا تشجع على استخراج الغاز، هو كلام غير دقيق برأي بري، “ولا يستند الى أسس علمية والى حقيقة أعمال الحفر الجارية، بل على العكس تصله تقارير ايجابية ستصدر في شكل رسمي من “توتال” قبل نهاية الشهر الجاري”.
معوقات جيولوجية غير متوقعة، وصخور جوفية عرقلت إتمام عملية الحفر عند المباشرة بها، وهي في المناسبة حدث تقني يحصل على الدوام مع شركات التنقيب، ما استدعى تدخل وزير الطاقة في حكومة تصريف الاعمال وليد #فياض، والمبادرة فورا إلى توقيع جميع المعاملات الإدارية التي طلبتها شركة “توتال” للانتقال الى موقع آخر ضمن البلوك الرقم 9، إختصاراً للوقت ومنعاً لحصول أي تأخير في المواعيد المتفق عليها بين الدولة اللبنانية و”توتال”.
إذاً، عادت الأضواء لتسلط على البلوك 9 على خلفية إصدار الوزير فياض قرارا يقضي بتعديل إحداثيات موقع حفر البئر الإستكشافية “قانا 31/1 في الرقعة المذكورة والواردة في رخصة الحفر الصادرة في 16 آب 2023. ويأتي التعديل على خلفية ابلاغ شركة “توتال” الوزير فياض بالصعوبات التقنية التي تواجهها خلال عمليات الحفر، بعد اصطدام باخرة التنقيب عن النفط والغاز بصخرة اعاقت اكمال مهمتها، بعد أيام من انطلاق عملها”.
وفي المعلومات أن ثمة 3 مواقع محددة في رخصة الحفر، وبما ان الموقع الاول دونه معوقات تقنية عرقلت عمل الحفارة ومنعتها من اختراق الطبقات الصخرية الموجودة في الموقع المحدد للحفر، طلبت “توتال” الانتقال للعمل في الموقع الثاني الذي يبعد 31 مترا فقط عن الموقع الأول، علما أن الموقع الثاني ملحوظ ايضا بطلب رخصة الحفر، اذ تُمنح الشركات صاحبة الحقوق موقعين أو ثلاثة مواقع لحفر البئر، وذلك تحسباً لأي مشكلات تقنية قد تواجهها في عملية الحفر.
الوزير فياض قلل أهمية المخاوف التي سيقت حيال تغيير شركة “توتال” موقع الحفر، مؤكدا لـ”النهار” أن “التغيير ليس مصطنعا ولا مريبا، فهو على مسافة 30 مترا فقط من الموقع الاصلي، وتاليا لا يوجد ما يدعو للشكوك، علما أن الوزير يمنح تصريح الحفر في الموقع المطلوب، ولا حاجة للعودة الى مجلس الوزراء للحصول على موافقته على اعتبار أن التغيير حصل في الحقل عينه”.
ولا يحبذ فياض اعطاء تأكيدات عن النتائج المتوقعة، على رغم إشارته الى أن ثمة تقدما بمسار الاعمال. لكنه في المقابل يؤكد أن “الكونسورسيوم متفائل، وأن الخبراء الجيولوجيين الذين يملكون البيانات متفائلون، لكنني لست خبيرا جيولوجيا، وتاليا، لن اعلن اي موقف أو أبني أي آمال، ما لم أتلقَّ التقرير الرسمي عن نتائج الحفر”.
ويقول: “علينا أن نتحلى بالصبر، والخبر اليقين سيكون في غضون شهر على الاكثر، وحينها سنعرف ما إذا كان الاحتمال الذي سيحدد التنقيب في حقل قانا ذا طبيعة تجارية أم لا”.
وإذ أشار الى أن لبنان منح رخصة استكشاف للمنطقة 8 مع توقع النتائج الأولى في كانون الثاني 2024، قال: “نحضّر لإصدار جولة التراخيص الثالثة للتنقيب في البلوكات المتبقية كافة”.
ناصر الدين: اصبحنا على مسافة 750 مترا من المكمن المحتمل
يؤكد المعنيون ان برنامج الحفر يسير وفق المخطط المرسوم له، وأن الانتقال من نقطة الى أخرى لم يؤخر عملية الحفر أكثر من يومين، فيما كشف الباحث والخبير الاقتصادي زياد ناصر الدين لـ”النهار” أن “عملية الحفر باتت في مرحلة متقدمة جدا، واصبحنا على مسافة 750 مترا من المكمن المحتمل، وإذا استمرت حركة العمل على هذه الوتيرة ستكون فترة ما بين تشرين الأول بداية والثاني الحد الأقصى للإعلان عن هذا المكمن”. وأكد أن “العيّنات مهمة جدا، والطبقة الموجودة في قعر البحر من الطبقة الكلسية والطبقة الملحية والطبقة الجيولوجية تشير الى وجود نوعية أفضل من تلك الموجودة في حقل كاريش، وهذا مؤشر الى وجود مخزون أكبر من المتوقع”، مدعما رأيه بنتيجة الدراسات التي قامت بها شركة PGS النروجية وشركة “سبكتروم” “التي يتبين أن ثمة إشارات واعدة لوجود الغاز، قد تكون أهم من حقل كاريش”.
“نحن أمام مرحلة مهمة، وكل الدراسات والتقنيات إيجابية والنتائج واعدة ومهمة، وتبقى العبرة في الوصول إلى المكمن وتحديد كمياته التجارية”، وفق ما يقول ناصر الدين الذي يضيف: “بناء على هذه المعلومات، أحذر من عملية خداع تتعلق بالكشف عن الكمية الحقيقية المكتشفة”.
لا يتحدث ناصر الدين هنا عن صدقية الشركات العاملة في التنقيب، بل ما يقصده هو الواقع السياسي والاقتصادي في المنطقة وعقدة اسرائيل وتخوفها من امتلاك لبنان كميات تجارية من الغاز تخوّله لأن يكون المركز الأساسي لجذب الشركات، خصوصا أن الكمية الموجودة في فلسطين المحتلة وتحديدا في حقل كاريش لا تتعدى الـ 1.6 تريليون متر مكعب من الغاز، في حين أن المعلومات الموثقة بناء على نتائج المسح والتقديرات تفيد بان الكمية الموجودة في حقل قانا هي كميات مضاعفة عن تلك الموجودة في كاريش، بما يعني أن الفعالية التسويقية للاخير ستخف أمام فعالية الاول.
تخوّفُ ناصر الدين من عملية الخداع يأتي على خلفية تأكيده غياب المراقبين والاستشاريين من الجانب اللبناني عن مراقبة عمليات الحفر. وهذا أمر بديهي برأيه مع “فقدان الكفايات اللبنانية خصوصا بعد الإنهيار الذي حصل في لبنان، اضافة الى انتهاء ولاية هيئة إدارة قطاع البترول نهاية العام 2018″، علما أن الوزير فياض أكد لـ”النهار” وجود استشاريين وخبراء لبنانيين يراقبون اعمال التنقيب.
ولتأكيد حجم كميات الغاز الموجودة في الحقول اللبنانية، يشير ناصر الدين الى اهتمام اكبر الشركات العالمية بالتنقيب والاستكشاف في الحقول اللبنانية، مع الاخذ في الاعتبار أن شركتي “توتال” و”إيني” لا تبديان اهتمامهما بالعمل في أي حقل ما لم تكونا مستندتين الى تقارير موثوق بها. وأمام هذا الواقع، يحذر ناصر الدين من تكرار مشهد ما حصل في البلوك الرقم 4 الذي لم يصدر حتى اليوم تقريره الرسمي من شركة “توتال”، لافتا الى أن “الغرب ينظر الينا بعيون اسرائيل، ولا يأخذ في الاعتبار مصلحة اللبنانيين بدليل ما يحصل في ملف النازحين السوريين”.
في سياق آخر، أوضح ناصر الدين أن تغيير موقع الحفر حصل منذ شهر وخمسة أيام، وتحديدا بعد يومين من بدء الشركة عمليات الحفر في البلوك 9 حيث اعاقت عملها صخرة، فعمدت الى تغيير الموقع بمعدل 31 مترا عن الموقع الأول. ويلفت الى أن “تغيير الموقع ضمن الحقل لا يتطلب استشارة الحكومة، بل تنسيقا مع وزارة الطاقة، ولكن في حال تغيير الحقل فإن ذلك يتطلب موافقة الحكومة”.
ولتأكيد حجم كميات الغاز الموجودة في الحقول اللبنانية، يشير ناصر الدين الى اهتمام اكبر الشركات العالمية بالتنقيب والاستكشاف في الحقول اللبنانية، مع الاخذ في الاعتبار أن شركتي “توتال” و”إيني” لا تبديان اهتمامهما بالعمل في أي حقل ما لم تكونا مستندتين الى تقارير موثوق بها. وأمام هذا الواقع، يحذر ناصر الدين من تكرار مشهد ما حصل في البلوك الرقم 4 الذي لم يصدر حتى اليوم تقريره الرسمي من شركة “توتال”، لافتا الى أن “الغرب ينظر الينا بعيون اسرائيل، ولا يأخذ في الاعتبار مصلحة اللبنانيين بدليل ما يحصل في ملف النازحين السوريين”.
في سياق آخر، أوضح ناصر الدين أن تغيير موقع الحفر حصل منذ شهر وخمسة أيام، وتحديدا بعد يومين من بدء الشركة عمليات الحفر في البلوك 9 حيث اعاقت عملها صخرة، فعمدت الى تغيير الموقع بمعدل 31 مترا عن الموقع الأول. ويلفت الى أن “تغيير الموقع ضمن الحقل لا يتطلب استشارة الحكومة، بل تنسيقا مع وزارة الطاقة، ولكن في حال تغيير الحقل فإن ذلك يتطلب موافقة الحكومة”.