الجامعة اللبنانية… مشروع خصخصة أو إلغاء!
تعاني الجامعة اللبنانية منذ بداية الأزمة التي تعصف بلبنان أزمة وجودية، شأنها شأن كل المؤسسات الرسمية والقطاع العام، إلا أنّها تتفرّد بأهميّتها واستثنائية وجوب معالجة أزمتها كمؤسّسة تعليمية وطنية جامعة تستوعب أكثر من نصف طلاب لبنان في التعليم العالي بما يقارب الثمانين ألف طالب في كلّ الاختصاصات وتتميّز بانتشارها في كل المحافظات اللبنانية بخلاف الجامعات الخاصة الكبرى المركزية كالجامعة الأميركية أو اليسوعية أو العربية والتي تتّخذ مراكز أساسية لها في العاصمة أو ضواحيها وربّما استثنائياً يمكن أن تفتح فرعاً واحداً في محافظة أخرى.
بدأت مظاهر انهيار الجامعة اللبنانية وحصارها بشكل واضح وسريع بتكامل وتضافر أمرين اثنين:
– أوّلهما إقرار الحكومة خطة التعافي الاقتصادي التي كرّست ترشيد القطاع العام أي بكلمة ملطفة، إلغاءه وتقليل عدد الموظفين وخصخصة كل المؤسسات العامة التي تتبع للدولة اللبنانية وفق مشاريع يمكن طرحها ودراستها لتخفيف العبء المالي عن الدولة اللبنانية سواء على مستوى المصاريف أم على مستوى رواتب التقاعد التي يتقاضاها موظفو القطاع العام والأجهزة العسكرية وأساتذة التعليم الجامعي والرسمي وقد أوصى صندوق النقد الدولي بأن يتم استبدالهم بنظام التعاقد، وكان الرئيس رفيق الحريري قد بدأ هذا الأمر منذ التسعينات وبلغ الأمر الأجهزة العسكرية…
– ثانيهما انهيار سعر صرف الليرة اللبنانية وتآكل رواتب الأساتذة والموظفين وانعدام القدرات التشغيلية للجامعة وأعمال الصيانة والحراسة والقرطاسية بالإضافة إلى هجرة الأساتذة طلباً لتأمين مصدر مالي يحفظ الحدّ الأدنى من العيش الكريم.
إن الجامعة اللبنانية تقاوم وتصارع، والحقيقة أنّ من يقاوم ويصارع ويمنع موتها وإعدامها هم أساتذتها وموظفوها والذين يقاومون ويضحّون هم الذين ما زالوا على متاريس حماية خصخصتها وإعدامها وهم رغم كل هذا الحصار وقلة العطاءات وقلة الوفاء أيضاً تجاههم، مستمرّون بحماية الجامعة، ولا يزال الأساتذة المتعاقدون الذين يشكلون أكثر من 70% من أساتذة الجامعة لم يقبضوا رواتبهم منذ سنتين وهذا العام الدراسي الجديد الثالث الذي يتابعون فيه التدريس على حسابهم ومن حساب أولادهم. وللإيضاح فإنّ مجموع ما يتقاضاه الأستاذ الجامعي المتعاقد طوال عام لا يتجاوز الـ25 مليوناً في حدّه الأقصى ولم يعد يساوي شيئاً، وإن قام بإضراب حتى يستردّ حقوقه كان نصيبه الإهانات والشتم والتخوين وقلة الوفاء!
الأساتذة الجامعيون المتعاقدون ليس لهم ضمان صحي وليست لهم منح تعليمية لأولادهم وليس لهم معاش تقاعدي وبعضهم حتى ليس له تعويض بعد إنهاء خدماته. فيما كان راتب الأستاذ الجامعي المتفرّغ لا يقلّ عن 3000 دولار والآن يساوي 70 دولاراً وما قيمة الإعانات المالية التي تتوزّع بين إنتاجية وراتبين وأربعة رواتب وبدل نقل، إلّا حوالي 500 دولار ولمدة محدودة وبشرط أن يحضر الأستاذ الجامعي 14 يوماً في الشهر حتى لو لم يكن عنده تدريس وليس له عمل إداري وعليه أن يأتي الى الجامعة ويدفع نصف ما يتقاضاه من الإنتاجية حتى يوقّع على دفتر الحضور ثم يقوم بجلسات الدردشة أو الانتظار خارج الصف حتى يرنّ الجرس ويعود إلى بيته حزيناً لأنّه مكلف بمهمة الانتظار في قاعات الجامعة حتى يحصّل الرواتب الأربعة الإضافية!
الأساتذة المتقاعدون الذين أودعوا الدولة والصندوق التعاضدي رواتب تقاعدهم على مدى 20 و30 عاماً والتي لا تقل عن 1000 دولار لكل أستاذ، بلغوا التقاعد وهم يأخذون الآن بدل ثلاثة آلاف دولار حقهم الطبيعي، لكنها لم تعد تساوي مئة دولار من أصل ثلاثة آلاف دولار. هؤلاء الأساتذة الجامعيون الذين تحمّلوا مسؤولية تعليم 80,000 طالب ليتخرّجوا مهندسين وأطباء وأساتذة وصيادلة وأمّنوا مستقبل مئات آلاف الطلاب، سيعودون متشرّدين على أبواب مؤسسات المساعدة الاجتماعية أو يبدأون حياتهم من جديد في ظروف صعبة بعد التقاعد، أو عليهم أن يبحثوا عن وظيفة وعن مصدر مالي جديد…
لا بدّ من مبادرة الدولة والقوى السياسية والهيئات النقابية لإقرار ما يلي:
– تعديل الرواتب وعدم الاكتفاء بالإعاشات المالية المؤقتة والتي لن تدخل في أساس الراتب التقاعدي.
– صرف بدلات الأساتذة المتعاقدين شهرياً أو فصلياً وزيادة بدل الساعة (والذي يتراوح بين دولار ونصف وثلاثة دولارات حتى الآن!)
– عدم التعامل مع دوام الأساتذة الجامعيين كدوام القطاع العام وإلزامهم بالدوام 14 يوماً حتى يستفيدوا من منحة الرواتب الأربعة، بل إلزامهم بإكمال النصاب القانوني بمعدل يومين في الأسبوع كحد أدنى أو وفق النسبة المناسبة للدوام وعدم إلغاء المنحة بمجرّد الدوام 13 يوماً بدل 14 يوماً!
– صرف رواتب الموظفين شهرياً.
إنّ حفظ الجامعة اللبنانية مسؤولية وطنية وحاجة استراتيجية للجميع، ولا بدّ من المبادرة لإنقاذها قبل فوات الأوان…