خفض تلوّث الهواء في بيروت: مسار التطبيق بدأ… ومحاضر الضبط ستُسطّر بحقّ المخالفين
حين بادرت “النهار” الى اطلاق قضية خفض تلوث الهواء في بيروت كانت تعلم ان الوضع بات كارثيا على صعيد الصحة والبيئة. بادرت لمواجهة تلوث الهواء، واحترام القوانين النافذة، فيما سارع وزير البيئة ناصر ياسين الى اصدار تعميم واضح. هو تعميم الى المحافظين والقائمقامين والبلديات، بهدف احترام “مواصفات ملزمة بشأن كيفية تشغيل المولدات الكهربائية واستثمارها، لان حجم الملوثات الناتجة عنها في الهواء، بات كبيرا ومهددا للصحة والبيئة معا”.
تعميم ياسين استند الى دراسات علمية أعدّتها الجامعة الاميركية في بيروت واظهرت مدى التأثيرات السلبية للمولدات الكهربائية. والأهم ان التعميم جاء استنادا او تطبيقا للقرار الذي سبق لوزير البيئة ان اصدره في شباط 2022، والذي الزم، يومها، اصحاب المولدات بمعالجة دخان العوادم بشكل فوري من خلال تزويد عادم المولّد بنظام فعال يتمكن من ازالة الجزئيات الصغيرة ايضا.
والسؤال: اي خطوات لاحقة بعد تعميم ياسين؟ وهل بالفعل بدأ احترام شروط تأمين السلامة والصحة لابناء بيروت؟ وماذا عن المخالفين؟
انتشار عشوائي
معلوم ان في العاصمة بيروت وحدها اكثر من 8 آلاف مولّد في ما يُعرف ببيروت الادارية، فأي شروط يمكن ان تقلص بالفعل حجم التداعيات الصحية؟
مصادر بلدية بيروت تؤكد لـ”النهار” انها “تلتزم بالطبع تعميم وزير البيئة، وان مسار التطبيق انطلق”، لكنها ترفض اعطاء رقم نهائي لعدد المخالفين او للذين التزموا، مكتفية بالقول: “بالطبع، نلتزم التعميم، انما نحتاج الى بعض الوقت كي نراقب الجميع وننهي الجردة”.
المشكلة في هذه الظاهرة ان ثمة انتشارا عشوائيا للمولدات الكهربائية في أحياء العاصمة وشوارعها، لاسيما بعد التقنين والشحّ القاسي في تأمين الكهرباء، وإنْ كان اعتماد عدد لا بأس به من المواطنين على الواح الطاقة الشمسية قد ساعد ايضا في انخفاض تأثيرات المولدات او ارتفاع اعدادها. انما، وبكل الاحوال، فان هذا الكمّ من المولدات لا يزال كبيرا مقارنة بأحياء العاصمة، ومسحها يتطلب بعض الوقت.
تعميم ياسين كان اكثر من واضح على خط “الزامه معالجة دخان عوادم المولدات بشكل فوري عبر تزويد عادم المولد الكهربائي بنظام فعال واكثر”.
وعلى خط محافظ بيروت القاضي مروان عبود، فان التنسيق مستمر مع وزير البيئة في هذا السياق. وعلمت “النهار” ان عبود نفسه كان قد اصدر في تموز الفائت بيانا الزم فيه اصحاب المولدات تزويد عادم المولد الكهربائي بنظام فعال لمعالجة الملوثات الهوائية وصيانة نظام معالجة الملوثات بشكل دائم، وغيرها من التدابير الوقائية. لا بل ذهب الى ابعد من ذلك، وحدد مهلة شهرين من تاريخه تحت طائلة الملاحقة القانونية، وبالتالي فان هذه “الحملة” يُفترض ان تظهر نتائجها مطلع الشهر المقبل.
أما بعد تعميم وزير البيئة، فقد باتت امام المحافظ “ركيزة قانونية” اضافية في مراقبة مدى التزام التطبيق، خصوصا ان التعميم، وفق ياسين “سيكون ساريا على كل المحركات الترددية تحت طائلة ايقاف المولدات المخالفة”. وكان ياسين شرح انه “يلحظ ولاول مرة الزام اصحاب المولدات استخدام فلتر سخام لجسيمات الديزل للمولدات ذات الطاقة الحرارية التي تفوق 200 كيلوواط حيث يعتبر الموضوع نقطة تحول للحد من تلوث الهواء”.
دراسات وورش
اللافت ان تعميم وزير البيئة ليس يتيما في هذا المجال، فقد سبق له ان اشار، قبل اشهر، الى انه يحضّر لورشة عمل تقنية وعلمية تحت عنوان “تلوث الهواء، القاتل الصامت الاول في لبنان”. ومن هنا، باشر سلسلة تدابيره التي اتت على مراحل كان آخرها التعميم.
هذه الورشة، وبعدها التعميم، لم يأتيا من فراغ. ففي الآونة الاخيرة، كثرت الدراسات حول خطورة انبعاثات المولدات الكهربائية، وابرزها من جامعة القديس يوسف والجامعة الاميركية، وكلها اجمعت على ان الملوثات الناتجة من المولدات اكثر من مؤذية، وتزداد خطورتها نظرا الى ارتفاع اعداد المولدات ايضا ووضعها بشكل عشوائي.
ولا شك في ان الخطورة ترتفع مع ارتفاع عدد ساعات تشغيلها، والتي بلا ريب ارتفعت في الآونة الاخيرة. وهذا ما دفع وزير البيئة الى التأكيد ان “نسبة التلوث المرتفعة جدا في الهواء تسبب امراضا قاتلة بمعدل شخص من كل 9 اشخاص، والكلفة الصحية الناجمة عن تلوث الهواء تبلغ 900 مليون دولار سنويا”.
واذا كان تعميم الوزير ياسين قد قطع الطريق امام امكان تزايد انتشار المولدات وتأثيراتها الصحية الخطيرة، فانه يُعتبر بلا شك انطلاقة عند البلديات والمحافظين لتحرير الغرامات او محاضر الضبط في حق المخالفين، وحضّ البعض الآخر على التزام الشروط ومراعاة المواصفات المطلوبة.
المسار بدأ… فهل تُعمم التجربة على بلديات اخرى خارج العاصمة؟ وان كان تقويم نجاحها يحتاج الى بعض الوقت لمعرفة عدد الذين التزموا فعلا التعميم وعدد الذين لا يزالون في خانة المخالفين… فان تحرير محاضر ضبط في حقهم ينبغي ان يكون حتميا!
يبقى الاهم ان هذا العمل أتى التزاما لقانون “حماية نوعية الهواء” الذي سبق لمجلس النواب ان اقره عام 2018، وتنفيذا “للاستراتيجية الوطنية لادارة نوعية الهواء المحيط” الصادرة عام 2022 والمتعلقة بحماية نوعية الهواء في لبنان.