“الخيار الثالث”: رفضُ “الثنائي” واقع أم مناورة؟

تسجِّل الساحة السياسية اللبنانية في الوقت الضائع في انتظار نضج التسويات الخارجية، مفارقات لافتة في شكلها ومضمونها، اذ ينتقل هذا المشهد في كل مرة مع أبطال ووجوه تتناوب على تولّي الملف اللبناني، الى حلقات جديدة ومتقدمة في طرح مقاربات لم ينجح أيّ منها حتى اليوم في إحداث الخرق المطلوب.

أبرز هذه المفارقات، التمايز الفاقع بين نعي الموفد الرئاسي الفرنسي جان – ايف لودريان، الذي كانت بلاده تستميت من أجل تسويق مرشح “الثنائي الشيعي” رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية، تلك المبادرة ودعوة القوى السياسية الى التوجه نحو اختيار خيار ثالث لرئاسة الجمهورية، بعدما ايقن الديبلوماسي الفرنسي بنتيجة مشاوراته استحالة الاستمرار في مرشحَي المواجهة لكل من “الثنائي” والمعارضة، وبين إعلان “الثنائي” استمراره في التمسك بترشيح فرنجية ودعمه، فيما قوى المعارضة تقف متفرجة مترقّبة، من دون ان تعلن أيّ تراجع عن مرشحها الوزير السابق جهاد ازعور، ومن دون أيضاً ان تقفل الباب على أي خيار ثالث يمكن التوصل اليه.

يأتي موقف المعارضة منسجماً مع مواقفها السابقة حيال الاستحقاق الرئاسي واختيار المرشحين. فهي، وبعد 12 جلسة انتخاب ثبتت فيها على مرشحها الأول والاساسي النائب ميشال معوض، خطت خطوة الى الوراء عندما ايقنت استحالة جمعه اكثرية نيابية تقوده الى قصر بعبدا، فتقاطعت قواها على دعم ازعور، في حين لم يتراجع “الثنائي” خطوة واحدة، بل بقي على تشبثه بمرشحه فرنجية، حتى امام الموفد القطري جاسم بن حمد آل ثاني الذي جاء مسوّقاً للخيار الثالث.

هل هذا يعني ان الخيار الثالث لا يزال ضمن حركة المناورات، وان حظوظ الانتقال اليه لا تزال محدودة رغم انه بات الخيار الوحيد الموضوع على الطاولة فرنسياً وقطرياً بدعم وقبول من دول مجموعة الخمس التي آلت على نفسها العمل على حل يُخرج الاستحقاق الرئاسي من عنق الازمة؟

بحسب مصادر سياسية مواكبة للحراك على جبهة الاستحقاق، ان العمل جارٍ بجدية تامة للدفع نحو خيار رئاسي ثالث، يتقدم فيه اسم قائد الجيش العماد جوزف عون، كما بات معلوماً على الأسماء الأخرى المطروحة، من دون ان يقطع الحظوظ عليها، لأن الأولوية اليوم، وفق هذه المصادر، ليست الاسم بقدر ما هي انهاء حالة الاستعصاء الحاصلة حيال تمسك “الثنائي” بفرنجية من دون الاخذ في الاعتبار الرفض الذي يواجهه مسيحياً في الدرجة الأولى ولدى فريق كبير من قوى المعارضة. ذلك ان الاستمرار في المشهد سيطيل أمد الازمة من دون ان يقدم حلولا،ً خصوصاً ان لبنان لم يصبح بعد أولوية على اجندات التفاهمات الأميركية – الإيرانية أو الإيرانية – السعودية.

في المقابل، تبرز مجموعة من الأسماء التي يجري تداولها لتشكل مخرجاً للازمة، بعدما أُقحِم اسم العماد عون ضمن حالة الرفض والاستعصاء لدى فريق مسيحي هو “التيار الوطني الحر”، علماً ان مواقف هذا التيار خاضعة للنقاش والتفاوض والمقايضة.

الى جانب أسماء مثل النائب نعمة افرام او الوزير السابق زياد بارود او رئيس خريجي معهد هارفرد حبيب الزغبي، التي يتم تداولها كبدائل، برز اسم المدير العام للامن العام بالإنابة اللواء الياس البيسري.

لكل من الأسماء المطروحة حيثيات دفعت بعض القوى الى اقتراحها او تسميتها. واهمها انها خارج الاصطفافات السياسية المعلنة ولا تنتمي في شكل مباشر الى أي حزب او تيار، وإنْ كان للبعض منها مواقفه السياسية، باستثناء ربما الزغبي الذي شكلت خلفيته الاكاديمية الحيثية الأساسية في اقتراحه. أما العماد عون فقد تكون حيثيته المنطلقة من أدائه على رأس المؤسسة العسكرية، ونجاحه في الإمساك بالملف الأمني وبوحدة الجيش رغم ظروف الانهيار الاقتصادي، قد شكلت نقطة القوة الأهم بالنسبة الى ترشيحه. وقد جاء اقتراح اسم البيسري من هذا المنطلق بالذات، كبديل تتوافر فيه المواصفات نفسها اذا تعذّر السير بعون.

هذا لا يعني بحسب المصادر ان حيثيات الحياد كافية للدفع بأي من الأسماء الى التربع على كرسي قصر بعبدا، كما لا يعني ان التعاطي مع اسم الرئيس سيكون بهذه البساطة، سيما وان الازمة لم تعد ازمة رئاسة وبحثٍ عن رئيس بقدر ما تحولت الى ازمة دستور ونظام، لأن المشكلة لا تكمن في اتفاق على رئيس، بل هي في فتح أبواب المجلس امام الكتل النيابية لتمارس دورها وتخوض معركة الانتخاب، وهذا حتماً لن يحصل ما دامت مقولة “لا غالب ولا مغلوب” لا تزال تتحكم بالتوازنات الداخلية!

Leave A Reply

Your email address will not be published.