لقاء الرياض بين بن فرحان ولودريان لبنان ثالثهما فماذا جرى؟
يُعيد التاريخ نفسه في كل محطة مفصلية يمر بها لبنان وفي كل استحقاقاته السياسية والأمنية والدستورية، واليوم وكما كانت الأنظار شاخصة في منتصف السبعينات والثمانينات الى كل من وزير الخارجية السعودي الراحل الأمير سعود الفيصل والموفد العربي الأخضر الابراهيمي، ها هو الموفد الفرنسي جان – ايف لودريان وبمعزل عن اخفاقاته يتصدر المشهد السياسي اللبناني أينما حلّ، وسُلّطت الأضواء عليه خلال لقائه وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان في الرياض، حيث كان لبنان ثالثهما لا سيما قبل العودة المرتقبة للودريان الى بيروت، علماً انه تسلّم مهمة تطوير مدينة العُلا السعودية، لكن ذلك لم ينهِ دوره لبنانياً بل سيستمر كموفد للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، وبالتالي لن يخطف الموفد القطري جاسم آل ثاني “أبو فهد” نجومية وزير الخارجية الفرنسي السابق الذي حذّر من زوال لبنان ودعا المسؤولين اللبنانيين الى عدم تعطيل الاستحقاق الرئاسي والكفّ عن المراوغة والتسويف لأن لذلك عواقب وخيمة.
في السياق، وبالعودة الى لقاء الرياض بين لودريان ووزير الخارجية السعودي في حضور المستشار نزار العلولا والسفير السعودي في لبنان وليد بخاري، الذي غادر بيروت على عجل وألغى مواعيده، فقد كان لبنان حاضراً بقوة في هذا اللقاء.
وتشير مصادر سياسية مواكبة للدورين السعودي والفرنسي الى ضرورة قراءة ما حصل في الآونة الأخيرة، حيث استطاعت السعودية انتزاع موقف جامع يؤكد أن اتفاق الطائف هو من الثوابت وممنوع المسّ به، محذرة من حوارات يطالب بها بعض الأفرقاء اللبنانيين لتغيير النظام، أي نسف الطائف، وتالياً فإن المملكة قلبت الموقف الفرنسي رأساً على عقب وبدّلت أجندة الموفد الفرنسي التي ارتكزت منذ انطلاقتها على دعم مرشح الثنائي الشيعي رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية، ما حاز رغبة سائر الدول المشاركة في اللجنة الخماسية وتحديداً واشنطن. وعلى هذه الخلفية فاللقاءات التي حصلت بين السعوديين والفرنسيين من الاليزيه الى الرياض وكذلك في نيويورك، أدت الى عنوان جديد لتحرك لودريان، أي اللجوء الى “الخيار الثالث”، وبمعنى أوضح استشفّت باريس مدى صعوبة انتخاب فرنجية مرشح الممانعة والأمر عينه للوزير السابق جهاد أزعور المدعوم من المعارضة، فكان الحلّ الشروع في الخيار الثالث وهذا ما انطلق به الموفد القطري “أبو فهد”، الذي يتحرك بسريّة تامة بعيداً من الأضواء والاعلام، ولا يُخفى أنه من خلال ما سُرّب من لقاءاته طرح على المرجعيات السياسية والحزبية اللبنانية اسماء كل من قائد الجيش العماد جوزف عون والمدير العام للأمن العام بالإنابة اللواء الياس البيسري وكذلك النائب نعمة فرام والوزير السابق زياد بارود كمرشحين للرئاسة لا يشكلون صعوبات كحال كل من فرنجية وأزعور. ومن هذا المنطلق فان لقاء الرياض، ووفق معلومات موثوق بها، عرض للخيار الثالث الذي سيقوده الموفد الفرنسي في بيروت بعد أن يكون الموفد القطري قد أمّن الأرضية واستمزج الآراء واستمع الى كل الأطراف ليجري لاحقاً عقد لقاء للخماسية وتنطلق مرحلة “التصفيات النهائية” بغية الوصول الى تسوية رئاسية. والمؤكد من خلال المعلومات المتوافرة عن لقاء الرياض أن المملكة لم تدخل في لعبة الأسماء أو ان لديها مرشحا تسوّقه في السر والعلن، بل ما زالت على مواقفها من خلال المواصفات والمقاربات التي أعلنتها في أكثر من محطة ومناسبة، ونُقل أن وزير الخارجية السعودي عاد وشدد على ضرورة انتخاب الرئيس وفق إرادة اللبنانيين والشروع في الإصلاحات المطلوبة فوراً، وهذا ما قاله السفير بخاري لدى زيارته للديمان ولقائه البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي.
وتلفت المصادر الى أن ما جرى في اللقاء الرباعي في السعودية كان مهماً ورسم خريطة طريق لمهمة لودريان الرابعة، وما سيقوله للمسؤولين اللبنانيين هو من ضمن العناوين التي عُرضت في الرياض، والأبرز أن الخيار الثالث سيكون المنطلق الجديد الذي سيتناوله الموفد الفرنسي، إضافة الى الحرص المشترك على دعم لبنان للخروج من أزماته وفق تناغم بين باريس والرياض على سلّة شاملة للحلّ، وخلافاً لما يشاع بأن لبنان ليس أولوية بالنسبة للمملكة، فان ما حدث من الاليزيه الى السعودية ولبنان وعواصم القرار، يؤكد انه على رغم القضايا الاستراتيجية الأساسية للسعودية، فإنها لاعب أساسي على الساحة اللبنانية، والأيام المقبلة كفيلة بإثبات ذلك.