وجهة نظر: الأثر القانوني لرخصة الجمعية العامة على المسؤولية المدنية والجزائية

 يدخل اللبس على كثير من القانونيين ما بين إبراء ذمة أعضاء مجلس إدارة شركة المساهمة العامة الصادر من الجمعية العامة، وما بين الرخصة التي تصدرها الجمعية العامة لأحد أعضاء مجلس الإدارة للولوج في العمليات التي تنطوي على تعارض مصالح ما بين عضو مجلس الإدارة والشركة، فإذا كان إبراء ذمة أعضاء مجلس الإدارة الصادر من الجمعية العامة لا يحول دون رفع دعوى المسؤولية على عضو مجلس الإدارة بصريح نص قانون الشركات (م 201)، فإن الترخيص الصادر من الجمعية العامة لعضو مجلس الإدارة للولوج في العمليات التي تنطوي على تعارض مصالح أو منافسة الشركة (وفقاً لنص المادتين 197,199 من قانون الشركات) سوف يحول دون عقد مسؤولية أعضاء مجلس الإدارة، وذلك وفقاً للأسباب القانونية التالية: أولاً: إن قانون الشركات الكويتي رقم 1 لسنة 2016 لم ينص على أن هذه الرخصة الصادرة لأعضاء مجلس الإدارة وفقاً لنص المادتين 197 و199 لن تحول دون رفع دعوى المسؤولية كما فعل في إبراء الذمة الصادر من الجمعية العامة، فإذا كان المشرع لا يريد أن يعطي هذه الرخصة الصادرة من الجمعية العامة أي قيمة قانونية كما فعل في تنظيمه لإبراء ذمة أعضاء مجلس الإدارة من قبل الجمعية العامة لما أعوزه النص في ذلك، حيث كان يستطيع أن ينص على أن هذه الرخصة لن تحول دون إيقاع مسؤولية عضو مجلس الإدارة كما فعل في تنظيمه لإبراء الذمة الصادر من الجمعية العامة. ثانياً: لا يمكن لأي قانوني أن يفسر النص القانوني بالمخالفة لقواعد التفسير، وأهمها تفسير النص غير المعيب وهي دلالة الإشارة، فإذا كان قانون الشركات قد نص في المادة 197 والمادة 199 على أنه لا يجوز منافسة الشركة من قبل عضو مجلس الإدارة أو أن يكون لعضو مجلس الإدارة مصلحة في العقود التي تبرمها الشركة إلا بترخيص يصدر من الجمعية العامة، فإن دلالة الإشارة لهذا النص تعني أن المشرع قد أجاز القيام بهذه الأعمال شريطة الحصول على رخصة من الجمعية العامة وفق الشروط التي يتطلبها القانون. ثالثاً: قد يجادل البعض في هذا المقام بأن الجمعية العامة قد تصدر ترخيصها لعضو مجلس الإدارة بالغش والتدليس والتواطؤ ما بين عضو مجلس الإدارة والمساهمين وذلك بسبب سيطرته على الأغلبية، وبالتالي فإنه لا قيمة قانونية لهذه الرخصة الصادرة من الجمعية العامة. ونستطيع الرد على ذلك بأن قانون الشركات الكويتي قد حدد مدة شهرين للطعن على قرارات الجمعية العامة، فإذا لم يتم الطعن على قرارها الذي أصدرت معه رخصة لعضو مجلس الإدارة، فإن هذا القرار سوف يتحصن من الرقابة القضائية استقراراً للمراكز القانونية. (حكم الطعن بالتمييز رقم 501 لسنة 2015 تجاري/1). ويترتب على عدم الطعن على قرار الجمعية العامة الصادر بالترخيص لعضو مجلس الإدارة بأن هذه الرخصة قد تحصنت من الرقابة القضائية ولا يمكن مراجعتها لاحقاً من قبل المحكمة بفوات ميعاد الطعن عليها. رابعاً: نود أن نطرح فرضية مفادها أنه قد يوافق المساهمون على إصدار ترخيص لعضو مجلس الإدارة الذي تتعارض مصلحته مع مصلحة الشركة وهم يعلمون أن هذا التصرف غير عادل بالنسبة للشركة وذلك دون أن يصدر غش وتدليس من عضو مجلس الإدارة، وقد لا يطعنون على هذه الرخصة خلال شهرين من تاريخ صدورها، فالسؤال هنا: هل يمكن القول بأن هذه الرخصة لا قيمة قانونية لها؟ هل يمكن للمحكمة أن تعيد فحص قرار الجمعية العامة بعد فوات ميعاد الشهرين؟ هل يمكن للمحكمة أن تتدخل في إدارة الشركة عن طريق تعديل قرارات الجمعية العامة بالرغم من موافقة المساهمين على هذه الرخصة؟ خامساً وبالنسبة إلى الشق الجنائي: إن هذه الرخصة الصادرة من الجمعية العامة لعضو مجلس الإدارة سوف تعتبر من أسباب الإباحة الواردة في قانون الجزاء والتي سوف تمنع عن عضو مجلس الإدارة المسؤولية الجزائية، وسبب ذلك أن الشركة – المجني عليها – قد أصدرت موافقتها على هذا التعامل وفق شروط قانون الشركات، فضلاً عن أنه يمكن تكييف استعمال هذه الرخصة بأنها من قبيل استعمال الحق الذي قرره قانون الشركات بالنسبة لعضو مجلس الإدارة. وقد يجادل البعض بأن هذه الرخصة قد تصدر لتصرف وتعامل غير عادل بالنسبة للشركة وبالتالي فإنها لا تعتبر من أسباب الإباحة الواردة في قانون الجزاء. وفي حقيقة الأمر إن طرح مثل هذا الرأي يفتقر الى الدقة نتيجة لعدم الإلمام والاطلاع على نصوص قانون الشركات، وسبب ذلك أن قانون الشركات الكويتي رقم 1 لسنة 2016 لم يشترط عدالة التعامل الذي هو محل تعارض المصالح حتى تصدر الجمعية العامة موافقتها على هذا التعامل، كذلك لم يشترط أية شروط خاصة للإفصاح الذي سيقدمه عضو مجلس الإدارة للجمعية العامة ليكون المساهمون على علم تام بطبيعة هذا التعامل، فضلاً عن كونه لم يشترط أن يكون التصويت على هذه الموافقة من قبل مساهمين ليس لديهم أية صلة بعضو مجلس الإدارة الذي يسعى للحصول على هذه الموافقة، وهذا ما يترتب عليه مسألة في غاية الأهمية ألا وهي أنه إذا كان هناك بعض القصور التشريعية التي تلحق قانون الشركات الكويتي رقم 1 لسنة 2016 أثناء اصدار الجمعية العامة لهذه الرخصة لعضو مجلس الإدارة، فإن ذلك لا يعني أن هذه الرخصة لن تحول دون عقد المسؤولية المدنية والجنائية لعضو مجلس الإدارة المرخص له، وسبب ذلك أنه طالما أن قانون الشركات

– وفقا لنصوصه القائمة – قد أعطى قيمة وقوة لهذه الرخصة على خلاف إبراء الذمة، فإن هذه الرخصة سوف تحمي عضو مجلس الإدارة، والقول بخلاف ذلك سوف يؤدي الي نتيجة غير منطقية ألا وهي أنه لن توجد أي قيمة لنصوص قانون الشركات، ولن توجد أي مصلحة ومنفعة من وراء الحصول على ترخيص من الجمعية العامة، وأن المشرع قد وضع هذه النصوص في قانون الشركات فقط من باب التزيد ودون أي جدوى أو غاية وهذا ما يخالف المنطق التشريعي. وفي الختام، فإنه يجب أن يتم تعديل نصوص قانون الشركات رقم 1 لسنة 2016 وذلك باشتراط عدالة التعامل الذي هو محل تعارض المصالح حتى تصدر الجمعية العامة موافقتها على هذا التعامل، كذلك اشتراط شروط خاصة للإفصاح الذي سيقدمه عضو مجلس الإدارة للجمعية العامة ليكون المساهمون على علم تام بطبيعة هذا التعامل، فضلا عن اشتراط أن يكون التصويت على هذه الموافقة من قبل مساهمين ليس لديهم أية صلة بعضو مجلس الإدارة الذي يسعى للحصول على هذه الموافقة.

* د. فهد نعمه الشاهر الشمري * fahadnshn@gmail.com

* أستاذ القانون التجاري بجامعة الكويت

جريدة الجريدة: الكويت

Leave A Reply

Your email address will not be published.