هل يكرر لبنان تجربة تركيا ويشرّع البحر أمام النازحين أم هناك تهيّب من العقوبات؟!
تعلو الصرخة لرؤية آلاف النازحين يتدفقون عبر الحدود السورية – اللبنانية بما يفاقم أزمة النزوح السوري وتداعياتها الكارثية على البلاد. لكن بعد ادارة الظهر الغربية للبنان هل تكرر بيروت تجربة أنقرة لجهة ترك النازحين يصلون الى اوروبا؟
بات لبنان أشبه بعدّاد لإحصاء عدد النازحين السوريين الذي يتعاظم يومياً من دون ان تتمكن القوى الامنية من وضع حد لموجة النزوح التي فاقت كل التوقعات ولا سيما في الشهرين الاخيرين. فإحصاءات الاجهزة الامنية تشير الى ارقام مخيفة فاقت العشرة آلاف خلال شهر ونصف شهر من دون احتساب أعداد الذين ينجحون في الوصول الى الاراضي اللبنانية عبر الحدود الشمالية والشرقية مع سوريا.
الجيش بحاجة لآلاف العناصر لضبط الحدود
خلال الاجتماع الاخير الذي جمع رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي مع قادة الاجهزة الامنية وعدد من الوزراء بعد تطيير نصاب الجلسة التي كانت مخصصة لمناقشة تداعيات النزوح السوري، سمع الوزراء ومعهم ميقاتي معطيات مقلقة بشأن موجة النزوح الاخيرة وتخطي الأعداد الـ 10 آلاف نازح خلال شهر اب الفائت والاسبوع الاول من ايلول الجاري، فضلاً عن ان الجيش بحاجة الى 40000 عنصر لمراقبة الحدود ومنع موجات النزوح.
في جلستها الاخيرة رفعت الحكومة الصرخة وأوعزت الى البلديات بإجراءات تقنية أملاً في ان تحدّ من تلك الموجة.
بيد ان تلك الاجراءات لن تجدي في ظل عدم وجود قرار سياسي بالرد على سياسة ادارة الظهر الغربية ولا سيما بعد قرار البرلمان الاوروبي الداعم لبقاء النازحين السوريين في لبنان.
وفي سياق متصل، لم تستطع الحكومة اقناع مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للامم المتحدة بضرورة اعادة النازحين الطوعية الى مناطقهم الآمنة، عدا ان المهلة التي وضعتها في نيسان الفائت للمفوضية لتسليمها “الداتا” لم تجد آذاناً صاغية لدى المنظمة الاممية، وبدا الامر وكأن المفوضية ماضية في سياستها بغضّ النظر عن رأي الحكومة اللبنانية.
وفي خضم تلك الازمة، برز كلام لرئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل عن قدرة العسكر على إغلاق البحر امام المراكب وليس هناك قدرة على منعهم من الوصول براً الى لبنان ، وقال في 31 آب الفائت: “كيف ان هناك عناصر امنية كافية لاقفال البحر، واكثر من ذلك أصبح من صلب مهام بعض الاجهزة الامنية اتخاذ قرارات بإعادة نازحين من أوروبا الى لبنان عوض أن يصرّوا على إعادتهم الى سوريا؟”، مختصرا القول: “لا يوجد عناصر امنية لضبط البر ولكن هناك عناصر امنية لضبط البحر”. واكد أن “لبنان يستقبل النازحين من سوريا ومن اوروبا لان الحكومة وبعض الاجهزة الامنية تنفذ إما خوفا وإما بتواطؤ اجندة خارجية لمصالح إما مادية وإما سياسية، وبكلا الحالتين هي مصالح شخصية وتنفيذ مخطط الغرب بتوطين النازحين”.
لم يصدر بعد رد أو تعليق من الحكومة او من الاجهزة الامنية على ذلك الاتهام الباسيلي الخطير، فيما تتجه الانظار الى ما قد يحصل عليه ميقاتي في نيويورك على هامش الدورة الـ78 للامم المتحدة.
وتعتقد اوساط مواكبة ان “بيروت لن تجرؤ على تكرار تجربة انقرة التي فتحت حدودها لتدفق النازحين والمهاجرين الى اوروبا، ونجحت في تلك السياسة من خلال ابتزاز الغرب والحصول على مساعدات مالية من جهة، والتخلص من اعباء استضافة آلاف لا بل عشرات آلاف النازحين من جهة ثانية”.
بَيد أنه يُستبعد ان تلجأ الحكومة اللبنانية الى مثل تلك الخطوة نظراً الى الحسابات السياسية والشخصية، وبالتالي هناك من يتهيب تلك الخطوة ويخشى العقوبات الغربية.
التهيب من العقوبات يعني تقديم المصالح الخاصة على المصلحة الوطنية، والامر ينسحب على سياسيين وغيرهم في ظل الاستحقاقات الداخلية وخصوصاً الاستحقاق الرئاسي.
ابي نادر: لا قدرة على ضبط الحدود البرية…
يعتقد العميد المتقاعد شارل ابي نادر ان “لبنان ربما يُرغم على تنفيذ التهديدات بفتح البحر امام النازحين في اتجاه اوروبا، لان قدرته على ضبط السواحل لن تعود ممكنة بسبب الضغوط على الاجهزة الامنية والعسكرية”.
ويلفت في حديث الى “النهار” الى “مسار الاشتباكات في المخيمات ولا سيما في عين الحلوة ما يفاقم حاجة الجيش لضبط الاوضاع، وما يعني المزيد من الجهود لاعادة الهدوء وبالتالي تتراجع امكانية ضبط السواحل” .
ويذكّر ابي نادر بما قاله قائد الجيش امام المسؤولين السياسيين بأن الجيش بحاجة الى أعداد كبيرة للقيام بمهامه ولا سيما لجهة ضبط الحدود البرية مع سوريا .
وعليه فإن الامر ينعكس سلبا على لبنان لجهة تدفق النازحين، ما يعني زيادة الاعباء وتنشيط حركة المهربين عبر مراكب الهجرة غير الشرعية .
اما عن مراقبة الشواطىء من قِبل الاجهزة الامنية ولا سيما الجيش، فيشير العميد أبي نادر الى صعوبة مراقبة كل الشواطىء اللبنانية وبالتالي تتضاعف امكانية الهجرة غير الشرعية في اتجاه اوروبا ولا سيما الى قبرص او ايطاليا واليونان، علما ان المركب يحتاج الى فترة زمنية قصيرة للوصول الى شواطىء قبرص خصوصا اذا كان الطقس ملائما .
ويذكر ان اكثر من وزير معني بملف النزوح فضّل عدم التعليق على امكانية تنفيذ لبنان تهديده بترك النازحين يبحرون الى اوروبا، وذلك في انتظار ما قد ينتج عن محادثات ميقاتي ووزير الخارجية والمغتربين عبد الله بو حبيب مع المسؤولين الغربيين وذلك على هامش الجمعية العمومية للامم المتحدة. والسؤال: هل ما عجز لبنان عن الحصول عليه خلال 12 عاماً سيحصل عليه في هذه المرحلة المعقدة؟