بري دفن مبادرته للحوار الرئاسي والفرصة الأخيرة قطرية
ما بين تشدد دول الخماسية وخروج فرنسا ودخول قطر، بات محسوماً ونهائياً ان الملف اللبناني بكل تشعباته اصبح رهن إشارة الخارج وما يمكن ان يجترحه، عندما يحين الوقت، من تسويات تضع حداً للازمة الداخلية، ليس بالضرورة في شكل نهائي وبما يخدم مصلحة البلد ومصالحه الاقتصادية ورخاء شعبه. فالغرق في مستنقع الازمة في بُعدها السياسي حجب الأنظار عن المخاطر المحدقة بالبلد امنياً واقتصادياً ومالياً وديموغرافياً، على نحو باتت هذه المخاطر بمثابة قنبلة موقوتة لا يحتاج سحب صاعق تفجيرها الى الكثير من الجهد او التخطيط.
أيقن رئيس مجلس النواب نبيه بري هذا الواقع، وادرك انه لم يعد هناك مكان للمناورات لاجتراح تسويات داخلية، يكون ابطالها افرقاء المواجهة، فحسم خياره وخرج من سباق التسويات، معلناً تعليق مبادرته الحوارية، دافناً معها أي مسعى داخلي محتمل، بفعل غياب أي مبادرات او بدائل.
واذا كان بري بسحبه مبادرته الحوارية من التداول، واعلانه أنه قد أدى قسطه للعلى، رامياً كرة التعطيل في ملعب قوى المعارضة، وبالأخص حزب “القوات اللبنانية”، فإن رئيس الحزب لم يتأخر في تلقف الرسالة، وليردّها الى صاحبها، عبر إعلانه امس ان القسط لم ينتهِ بعد، وان على بري فتح أبواب المجلس لجلسة انتخابية بدورات متتالية حتى انتخاب رئيس.
يفتح هذا الرد الباب واسعاً امام سجال لن ينتهي الى أي نتيجة بعدما ثبت أن مفاتيح المجلس ليست في حوزة رئيسه وحده، وبالتالي، لن تكون هناك فرصة لمبادرة مماثلة يُلزم بها الدستور نواب الامة، قبل ان تنضج ملامح التسوية الرئاسية.
وهذا يقود الى عنوان المرحلة الجديدة التي دخلها لبنان بعد تراجع الدور الفرنسي على حساب تقدم الوساطة القطرية التي دخلت على خط الاستحقاق عبر مقاربة جديدة، ساهم المبعوث الفرنسي جان – ايف لودريان في الكشف عنها، في ظل التكتم الشديد للموفد القطري حول لقاءاته ومشاوراته، اذ دعا لودريان المسؤولين اللبنانيين الى التوجه نحو إيجاد خيار ثالث لحل ازمة الرئاسة، كاشفاً امس عن انزعاج بالغ لمجموعة الدول الخمس التي تتابع الملف اللبناني، وتساؤلها عن جدوى استمرار تقديم الدعم المالي للبنان. هذا الموقف فسرته أوساط سياسية مطلعة بانه تأكيد على اقتناع فرنسي تام بعدم جدوى الاستمرار في الخيارات المطروحة، بعدما لمس لودريان، واعلن ذلك، تشبث كل فريق بمرشحه، فيما لا حظّ لأي من المرشحين بالوصول الى سدة الرئاسة. وهذا يقود الى توجه لم يعد مخفياً نحو طرح قائد الجيش مرشح الخيار الثالث.
وفي انتظار بلورة نتائج مهمة الموفد الأمني القطري جاسم بن حمد، المحاطة بالكتمان، باستثناء ما ترغب الدوحة بالكشف عنه، كما حصل امس بالإعلان عن لقاء السفير القطري برئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد، نظراً الى ان مفتاح الانطلاق نحو مهمة تسويق المرشح الثالث لا بد ان تبدأ من حارة حريك على قاعدة ان لا رئيس لـ”حزب الله”، وانما لا رئيس من دونه، فإن الملف اللبناني دخل مرحلة مراوحة جديدة حتى بلورة الوساطة القطرية. على ان هذه المرحلة ستشهد حركة عرض وطلب كثيف ستتسابق فيها القوى السياسية في تقديم افضل عروضاتها امام المستثمر الجديد في الورقة اللبنانية.
عليه، ورغم تردد الكلام عن عودة محتملة للمبعوث الفرنسي، لم تعد مؤكدة، واذا حصلت ستكون زيارة وداعية لا اكثر بعدما سلّم أوراق اعتماده للموفد القطري، فإن الملف بات في عهدة التفاهمات الخارجية، وما يمكن ان تفضي اليه من حل يجب ألا يتأخر كثيراً، مع دخول البلاد مرحلة الخطر الشديد امنياً واقتصادياً ومالياً.