البحث عن حلٍّ مباشر بين ضفَّتي الخليج
هل يمكن لأي عاقل أن يعتقد بأننا قد دخلنا في مرحلة الخروج من نفق ازمة الفراغ الرئاسي المستمرة ممَّا يقارب السنة؟ وهل يمكن لنا نحن ابناء الشعب اللبناني الذي نُهبت اموالهم من سياسيين ومصرفيين معروفين، الاقتناع بأن من رمانا الى قعر جهنم، بعد ان اخترناه ليكون الرئيس المنقذ، سيعود مع الذين دعموه قبل الرئاسة وخلالها وبعدها الى تسهيل عمل الموفد القطري الخاص جاسم فهد آل ثاني في مساعيه لايجاد ارضية مشتركة تجمع بين الافرقاء السياسيين للتوافق على اسم الرئيس العتيد؟
مع كل تقديري للجهود التي تبذلها قطر الآن وموفدها، ممثلة بالتأكيد اللجنة الدولية الخماسية، فإني لا ارى عكس ذلك، بأن مفاعيل مواقف البطريرك التي اطلقها من اوستراليا، وردود الفعل الشيعية عليها، قد زادت من تعقيدات الازمة، وهي لا تُبشر على الاطلاق بحصول اي تبدّل ايجابي في الموقف السياسي العام.
على صعيد آخر، يبدو بأن المبادرة الحوارية التي سعى إليها الرئيس نبيه بري مؤخراً قد تعداها الزمن وبأن مصيرها قد انتهى قبل ان تبدأ، بعد ان ضاعت في الضوضاء التي رافقت مهمة الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان، والتي يبدو انها قد انتهت الى غير رجعة.
يبدو بوضوح بأن الامور تسير من سيىء الى اسوأ على صعيد البحث عن مخرج مأزق الفراغ الرئاسي، والذي يشكل وفق كل التوقعات الخطوة الاولى على طريق اطلاق عجلة تشكيل حكومة واعادة احياء عمل الادارات العامة المشلولة كلياً منذ اكثر من سنة، او على صعيد البدء بالمسيرة الاصلاحية الموعودة، وخصوصاً ما يعود منها للقوانين المتعلقة بخطة الاصلاح المالي وقانون الكابيتال كونترول واعادة هيكلة المصارف، مع الامل ان تؤدي الى استعادة بعض الثقة بالمصارف، كخطوة اساسية للخروج من الاقتصاد النقدي، وعودة العمليات المالية المصرفية الى دورتها الطبيعية، كمحفِّز للعمليات الاقتصادية والاستثمارية.
السؤال المطروح اليوم، وفي ظل تجوال الموفد القطري على كل القيادات السياسية اللبنانية، الى متى يمكن التعويل على هذه المساعي الخارجية كوسيلة «ناجعة» للبحث عن مخرج لأيٍّ من ازمات لبنان السياسية والاقتصادية، بعدما فشلت اللجنة الخماسية الدولية التي انعقدت على هامش الدورة العادية لاجتماعات الجمعية العمومية للامم المتحدة الاسبوع الماضي، حيث يؤشر عدم صدور اي بيان عن اجتماعها الى عمق الخلافات بين نظرة اعضائها في تقييم الوضع اللبناني الداخلي، ولمخارج انهاء الفراغ الرئاسي.
في الواقع يبدو بأن مسألة مساعدة لبنان لإنهاء الفراغ الرئاسي لا تحتل اولوية على جدول اولويات اللجنة الخماسية او اي من القوى الاقليمية والدولية المؤثرة. نقول هذا الكلام انطلاقاً من نتائج صفقة تحرير المواطنين الاميركيين من ايران، مقابل تحرير ستة مليارات من الدولارات الايرانية التي كانت مجمدة في كوريا الجنوبية. تثبت هذه الصفقة ان الولايات المتحدة ومعها الدول العربية ما زالت تعمل انطلاقاً من سلّم اولويات يضع مصالحها الضيقة في مرتبة تفوق اضعاف الاضعاف اهمية اخراج لبنان وشعبه من مأزقه المتفاقم، والذي بات يهدد مع تداعيات ازمة النزوح السوري وجود الدولة والكيان.
سبق ان عوّل اللبنانيون كثيراً على نتائج الاتفاق السعودي – الايراني، ليشكل نقطة عبور الى حل ازمتهم، ولكن لم يتحقق اي شيء ايجابي، ويبدو بأن طرفي الاتفاق لديهما اجنداتهما الخاصة، حيث وجدا انه يمكن الاكتفاء لكل منهما بالايجابية، التي تحققت في اليمن، والانطلاق لتركيز الجهود السياسية لخدمة مصالح ذات ابعاد دولية واقليمية.
من جهة ايران فإنها تهتم فعلياً بايجاد مخرج للمشكلة النووية مع الولايات المتحدة، ولذلك فهي غير مهتمة بالبحث عن القضايا الاقليمية الثانوية.
اما من جهة المملكة العربية السعودية، فقد نجحت في تحقيق هدف استراتيجي يتعلق بأمن حدودها مع اليمن، وبوقف الهجمات الصاروخية وبالمسيّرات ضد منشآتها النفطية الحيوية وضد مدنها، وخصوصاً العاصمة الرياض، وبما يسمح لها بالتفرغ لتنفيذ خطتها الانمائية والاعمارية من جهة، وللانطلاق الى تأكيد دورها كقوة اقتصادية بين اهم اقتصاديات العالم. ويبدو بوضوح من السلوكية السياسية التي تعتمدها المملكة العربية السعودية بأن لبنان ليس مدرجاً على جدول افضلياتها على الاطلاق، وعلى الاقل حتى هذه اللحظة.
بالاضافة الى اهتماماتها العمرانية والاستثمارية فإن الرياض مشغولة وتبحث عن افضل المقاربات للتجاوب مع المطالب والضغوط الاميركية لاستكمال الاتفاقات الابراهيمية، وبالتالي القبول ببدء مرحلة التطبيع مع اسرائيل، الامر الذي يمكن ان يدعم معركة بايدن الانتخابية، وخصوصاً اذا ما نجح في الحصول على تنازلات من نتنياهو تتجاوب مع المطلب السعودي للحفاظ على بعض حقوق الشعب الفلسطيني.
في العودة الى حركة الزائر القطري، من المؤكد انه يدرك تماماً بأن الصفقة الاميركية – الايرانية الاخيرة تشكل الدليل القاطع على قدرة قطر على الدخول في مفاوضات جدّية مع ايران حول الملف اللبناني، وخصوصاً لجهة دفع حزب الله لإبداء ما يلزم من المرونة في عملية البحث عن مرشح بديل للوزير السابق سليمان فرنجية، والذي يمثل تمسّك حزب الله به كمرشح وحيد عملية تكرار لانتخاب العماد ميشال عون، وبالتالي وضع لبنان لتجربة جديدة من الانهيارات والخراب، وفق رؤية القوى المعارضة المسيحية والاسلامية.
في رأينا لا يمكن الاستمرار في بيع اللبنانيين الوعود الخادعة من خلال الاستمرار في هذه السياحة السياسية، سواء من قبل الموفد الرئاسي الفرنسي لودريان او من قبل الموفد القطري جاسم فهد آل ثاني، وان على الموفدين ودولتيهما ان يدركوا بأنه لم يعد من الجائز الاستمرار في لعبة الوقت الضائع، بعد ان وصلت خطورة الامور لامكانية تفكيك المؤسسات الامنية والعسكرية خلال الاشهر القليلة المقبلة.
بعقلانية سياسية، وبعيداً عن كل تشكيك بحسن نوايا اصدقاء لبنان، وعلى رأسهم دولة قطر نقول بأن طريق البحث عن مخرج لأزمة الفراغ السياسي والرئاسي ليست بالسفر ما بين حارة حريك ومرتفعات معراب او سلوك الطرقات التي تربط بين قيادات الكتائب وعين التينة وبين مقرات اللقاء الديمقراطي، وميرنا الشالوحي، بل بالسفر بين ضفتي الخليج، وتحديداً بين الدوحة وطهران، هذا بالاضافة الى اننا لا نجد اي مبرر سياسي لتغييب دور الرياض عن هذا المسعى، بصورة مبشارة او عن طريق الاستعانة بالمسعى العُماني.
انطلاقاً من الأجواء المتأزمة بين قوى محور الممانعة وقوى المعارضة اللبنانية السيادية وادراكاً من قناعاتنا وتقييمنا للمواقف السياسية الراهنة لمختلف هذه القوى، والتي باتت معروفة بشغفها بلعبة التعطيل، نرى بواقعية بأن البحث عن حلول داخلية بات في خانة المستحيلات، وهذا ما دفعنا الى الطلب للمسعى القطري بالتوجه في اتصالاته الراهنة باتجاه طهران بالدرجة الاولى، وباتجاه الرياض بالدرجة الثانية في اي مسعى جدي يبحث عن إنهاء الفراغ الرئاسي في لبنان.