على الدولة مطالبة مفوّضية اللاجئين بتطبيق اتفاقية 2003

أعيد طرح تطبيق الاتفاقية الموقعة عام 2003 بين المديرية العامة للأمن العام والمكتب الإقليمي لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في بيروت مع تفاقم تدفق النزوح السوري الى لبنان في الاسابيع الاخيرة على نحو غير مسبوق. وكان اللواء جميل السيد قد طالب على صفحته في منصّة X بتطبيق هذه المذكرة التي وقعها خلال ولايته مديراً عاماً للأمن العام عن الجانب اللبناني وأبرمتها الحكومة وتُعنى بالتعامل مع طلبات اللجوء للفلسطينيين الى بلد ثالث، الذي قدّر بـ300 ألف لاجئ في حينه. وقد وضعت قيد التنفيذ لعدم توقيع لبنان على اتفاقية جنيف الخاصة بوضع اللاجئين التي أقرّت في 28 تموز 1951 وعلى البروتوكول الملحق بها عام 1967.

برزت الحاجة الى تلك المذكرة، بحسب الأسباب الموجبة، انطلاقاً من أن لبنان غير مهيأ ليكون بلد لجوء لاعتبارات اجتماعية واقتصادية وديموغرافية إضافة الى مشكلة وجود اللاجئين الفلسطينيين على أرضه. واعتبرت أن الحل المناسب هو إعادة توطين اللاجئين المعترف بهم من مكتب المفوضية في بلد ثالث غير لبنان أو إعادتهم الى موطنهم الأصلي. وتشترط هذه المذكرة تقديم طلب اللجوء خلال شهرين من دخوله لبنان، على أن يعطى مقدمو طلب اللجوء تصريح تجوال موقتاً من الأمن العام لمدة ثلاثة أشهر يتيح لهم التجوال بحرّية لحين بت طلبهم من مكتب المفوضية بانتظار توطينهم في بلد ثالث. وأتاحت الملاحقة القانونية في حال مخالفة أي منهم القوانين اللبنانية خلال إقامتهم الموقتة وإخراجه من البلاد في حال ارتكابه جريمة كبرى تهدد الأمن الوطني كانتمائه الى مجموعات إرهابية أو ارتكابه جريمة منظمة أو غير ذلك. واتخذ مكتب المفوضية مهلة لبت طلبات اللجوء نهائياً خلال الأشهر الثلاثة، ورفعه دورياً لائحة بأسماء المقبولين والمرفوضين الى المديرية العامة للأمن العام لتقوم الاخيرة بمنح تصريح موقت لمدة ستة أشهر للاجئين المعترف بهم من المفوضية للتوطين في بلد ثالث، إفساحاً في المجال أمامها للقيام بالاتصالات اللازمة لإعادة توطينهم. وإذا تعذر ذلك، تضيف المذكرة التي لم تأت على ذكر هوية طالب اللجوء، تمدد المهلة ثلاثة أشهر أخيرة يعود بعدها للأمن العام اتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة. وبموافقة مكتب المفوضية على توطين اللاجئ في بلد ثالث يطلب المكتب جواز مرور لطالب اللجوء دون عودة بمن فيهم الموقوفون. وفي مقابل إقامتهم في لبنان المدة المدرجة في الاتفاقية، تقدّم المفوضية برنامج المساعدات الإفرادية والجماعية لحاملي صفة اللجوء خلال فترة وجودهم في لبنان على أن يقوم الطرفان الأممي واللبناني باستمرار بتوضيح واجبات طالبي اللجوء واللاجئين أثناء إقامتهم الموقتة في لبنان من احترام للقانون وسيادة البلد. وقد بدأ العمل بموجب هذه المذكرة من تاريخ إبرامها في العام نفسه بعدما أجازت لأيّ من الطرفين اقتراح أي تعديل يوافقان عليه.

ويشير أستاذ القانون الدولي البروفسور أنطونيوس أبو كسم الى أن مذكّرة التفاهم لا تزال سارية المفعول. ويقول لـ”النهار” إن هذه المذكرة، التي “نُشرت في الجريدة الرسمية بموجب المرسوم رقم 11262 تاريخ 30/10/2003، في عددها رقم 52 تاريخ 13/11/2003، هي بمثابة اتفاقية دوليّة أبرمها مجلس الوزراء بموجب المادة 52 من الدستور اللبناني، ولا تزال نافذة، حيث لم يطرأ عليها أيّ تعديل، كما أنّ تنفيذ بنودها يشكّل موجباً على عاتق أطرافها. فعدم التقيّد بتنفيذ أحكامها يشكّل خرقاً لموجب تعاقدي دولي يستدعي إعلان مسؤولية الطرف الذي أخلّ باحترام موجباته التعاقديّة، خصوصاً أنّ مبدأ حسن النيّة يفرض أن يكون تطبيق هذه الاتفاقية دون إلحاق الضرر والأذى بالطرف الآخر، علماً بأنّه ينطبق على هذه الاتفاقيّة مبدأ القانون الدولي العقد شريعة المتعاقدين. وبناءً على ذلك، إنّ أي قرار إداري مناقض لهذه المذكرة يشكّل انتهاكاً لمبدأ المشروعيّة، ويُعتبر قراراً غير مشروع”، مركزاً على أن”المهمّ في هذه الاتفاقيّة، أنّها تنصّ صراحة على أنّ لبنان لا يشكّل بلد ملجأٍ لأيّ طالب لجوء، ولا يستطيع إعطاء حقّ الملجأ إلّا مؤقتاً، على أن تتعهّد المفوضية بنقل طالبي الملجأ إلى بلد آخر خلال سنة كأقصى حدّ”.

وسأل المحامي الدولي “لماذا لا تلجأ الدولة اللبنانية إلى إنفاذ هذه الاتفاقية الثنائية؟ حريّ بها وبمفوضية اللاجئين التقيّد بتطبيق هذه الاتفاقية النافذة والواجبة التطبيق. ويجب مطالبة المفوّضية بتنفيذ موجب نقل كل طالبي حقّ الملجأ إلى دولٍ أخرى، وليس دعمهم بغية اندماجهم في المجتمع اللبناني وتوطينهم خلافاً للدستور اللبناني”، داعياً “الدولة اللبنانية الى اتخاذ أنواع التشريعات كافة لإنفاذ هذه الاتفاقية خصوصاً على مستوى المديريّة العامة للأمن العام، إضافة إلى البلديات”.

وكخطوة أولى لتنفيذ هذه الاتفاقية، وفقاً للمحامي أبو كسم يجب على “الدولة اللبنانية، مطالبة مفوّضية اللاجئين بتطبيق هذه المذكّرة، عبر الشروع بنقل كل طالبي حقّ الملجأ إلى دولٍ أخرى وليس دعمهم بغية اندماجهم في المجتمع اللبناني بهدف توطينهم خلافاً للدستور اللبناني، والسعي لاحترام كرامة المهجرين السوريين عبر إعادتهم إلى ديارهم ليمارسوا دورهم الديموقراطي حيث لهم الحقّ بتقرير مصيرهم على أرض وطنهم. وإلّا فللدولة اللبنانيّة الحقّ بمقاضاة المفوضيّة أمام القضاء الإداري اللبناني لعلّة خرق الموجبات التعاقدية المنبثقة عن مذكرة التفاهم، ولعلّة خرق الدستور اللبناني من خلال العمل على توطين المهجّرين السوريين خلافاً للفقرة “ط” من الدستور، ولعلّة خرق ميثاق الأمم المتحدة لناحية عدم احترام سيادة الدولة اللبنانية والتدخل بالشؤون الداخليّة للدول وللمسّ بمبدأ حقّ تقرير المصير للشعوب، ولخرق القانون الدولي لحقوق الإنسان لناحية تشجيع الهجرة الجماعية وتحفيزها. ولا شيء يمنع من أن تقوم الدولة اللبنانية بمقاضاة المفوضيّة أمام القضاء الدولي صاحب الصلاحيّة. علماً بأن للدولة اللبنانية منع المفوضيّة من ممارسة نشاطها على الأراضي اللبنانية، والطلب منها إقفال مكاتبها، خصوصاً أنّه ليس هناك اتفاق بشأن المقرّ كما يحصل مع باقي المنظمات الدوليّة أو الفروع الثانويّة للأمم المتحدة. وعلى لبنان رفع شكواه حالياً إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال الدورة الثامنة والسبعين، خصوصاً أنّ المفوّضية أنشئت بموجب قرار صادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1950″.

قرار الاتحاد الأوروبي بشأن تشجيع توطين المهجرين السوريين في لبنان هل يناقض مذكرة التفاهم الموقّعة ما بين المفوضيّة والدولة اللبنانيّة؟

ينبّه أبو كسم الى أن “القراءة القانونية لقرار البرلمان الأوروبي في 12 تموز الماضي، الذي تضمّن دعوة لبنان للانضمام الى اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1951 المتعلقة بوضع اللاجئين وبروتوكولها لعام 1967، يعني أنّ هناك قراراً اتخذ بشأن توطين السوريين في لبنان، لأنّ لبنان إذا أصبح دولة طرفاً في اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1951 بشأن اللاجئين، يقع عليه موجب تجنيس اللاجئين وفقاً للمادة 34 من هذه الاتفاقية، وفي حال رضوخ الدولة اللبنانيّة لمفوضيّة اللاجئين وتطبيق الاتفاقية ضمناً، فقد يؤدّي في النهاية إلى تنفيذ موجب منح الجنسية للمهجّرين السوريين وتسهيل تجنّسهم، ويجعل الحصول على الجنسية اللبنانيّة حقّاً مكتسباً لكلّ مهجّر”.

وعلى كلّ حال يرى أبو كسم أن “قرار البرلمان الأوروبي ليس له الصفة الإلزامية ولا الصفة التنفيذية، ولا أحد ينكر قوّته المعنويّة، خصوصاً أنّ عدداً كبيراً من الدول الأوروبية يعتبر من الدول الصديقة والداعمة للبنان. طبعاً، إنّ هذا القرار الأوروبي لا يعوق تطبيق مذكرة التفاهم مع مفوّضيّة اللاجئين”. ولفت الى “أنّ هذا القرار يُعتبر تدخلاً في الشؤون الداخلية اللبنانية، ويناقض اتفاق الطائف، ويشكّل انتهاكاً صارخاً للدستور لناحية منع التوطين، إضافةً إلى أنّ هذا الأمر يعرّض لبنان لخلل ديموغرافي يناقض ميثاق العيش المشترك ويشكّل خرقاً للفقرة “ي” من مقدّمة الدستور، التي تؤكّد أن لبنان وطن نهائي لجميع أبنائه (فقرة أ)”. وقال “لقد حان الوقت لحوارٍ وطنيّ حول هذا الملفّ الوجودي”، متحدّثاً عن “تقصير في التشريعات حيال هذا الوجود الطارئ والمطّرد، أكان لناحية تشريع دخول المهجرين السوريين ذوي فئات متعدّدة أم لناحية قوانين العمل، وفرض الضرائب والمطارح الضريبيّة”، منبهاً مرة أخرى الى “أنّ هذا الخلل الديموغرافي يؤدّي إلى تغيير هويّة المجتمع السياسي، وهويّة المجتمع التعددي الثقافيّة. وبالتالي يفرض على لبنان عقداً اجتماعياً جديداً مناقضاً لاتفاق الطائف، وقد يؤدّي إلى استبداله جذرياً. فلا يمكن تطبيق الطائف على عقد اجتماعي جديد مناقض لمبادئه الرئيسة وركائزه المنصوص عليها في مقدّمة الدستور اللبناني. إنّ سعي المجتمع الدولي لتوطين المهجرين السوريين، ليس إلّا سعياً لتغيير هويّة لبنان والعقد الاجتماعي اللبناني، وسعياً لتغيير اتفاق الطائف بطريقة ملتبسة وضمنيّة، وليس إلا خطّة لتفريغ سوريا من أبنائها تسهيلاً لتقسيمها وخلق دويلات في الدول المجاورة”.

Leave A Reply

Your email address will not be published.