مبادرة بري تنتظر الحوار الخماسي.. والسعودية لحلّ من داخل لبنان
لا تطورات ملموسة متوقعة على جبهة الاستحقاق الرئاسي قبل مطلع الشهر المقبل، عندما يزور لبنان كلّ من الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان، والموفد القطري وزير الدولة محمد عبد الرحمن الخليفي اللذان سيحملان نتائج اجتماع الخماسية العربية ـ الدولية الاخير في نيويورك الذي انعقد على مستوى الموظفين بعدما كان متوقعاً انعقاده على مستوى وزارء الخارجية، وما عكسه من انقسام في الموقف بين اطرافها حال دون صدور بيان ختامي، وأظهرَ انهم ألقوا مسؤولية انجاز الاسستحقاق الرئاسي على عاتق الافرقاء اللبنانيين المنقسمين عمودياً حوله، ولم يتوافقوا جميعاً بعد على المبادرة الحوارية ـ الانتخابية الاخيرة التي اطلقها رئيس مجلس النواب نبيه بري حيث ان بعضهم ما زالوا يرفضونها ويصرّون على أولوية انتخاب رئيس الجمهورية الجديد قبل الشروع في أي حوار.
قالت مصادر مطلعة لـ«الجمهورية» ان انقسام الخمامسية في الموقف من الاستحقاق الرئاسي مردّه الى ان بعض اطرافها لا يريد استعجال حسم موقفه النهائي من الخيارات المطروحة في شأنه لأنه يرهن تحديد طبيعة الخيار الذي سيعتمده بالمفاوضات الجارية على مختلف القضايا الاقليمية في ضوء الاتفاق السعودي ـ الايراني وما سيحققه من مكاسب فيها على مستوى دوره في الاقليم، ومنه لبنان.
واكدت هذه المصادر ان هذا الواقع يجعل من الصعب التكهن بموعد محدد لإنجاز الاستحقاق الرئاسي، وان كان البعض يتوقع ان يتم هذا الانجاز قبل نهاية السنة الجارية، أللهمّ الا اذا تجاوب الجميع مع مبادرة بري واتفقوا بموجبها على انتخاب رئيس او على خوض المعركة الانتخابية تنافسياً بين مرشحين اثنين او اكثر خلال جلسة انتخابية مفتوحة لا تقفل الا بانتخاب رئيس.
واشارت المصادر الى انّ مصير مبادرة بري سيتحدد قُبَيل عودة لودريان والموفد القطري أو بعد محادثاتهما مع الافرقاء المعنيين، مع ان البعض يُبدي شيئا من الحذر من وجود تعارض بين التحركين القطري والفرنسي، لأنّ الدخول القطري مجددا وبقوة على خط الاستحقاق الرئاسي يؤكد ان الانقسام السائد بين اركان الخماسية العربية ـ الدولية هو انقسام جديد، ولو لم يكن هذا الانقسام موجودا لكان عاد لودريان بمفرده فقط وباسم الخماسية كما في زيارته السابقة، ولما كان هناك من موجب للحراك القطري في موازاة مهمته.
ولفتت المصادر الى ان بري ما زال ينتظر من مختلف الافرقاء حسم مواقفهم النهائية من مبادرته، ولا سيما منهم الذين ما زالوا يرفضونها، وذلك قبل ان يبني على الشيء مقتضاه، وينتظر ان يشكل الاسبوع الطالع المساحة الزمنية الحاسمة في هذا الاتجاه، في الوقت الذي يتوقّع البعض تَبلور معطيات جديدة عن الحوار الجاري بن «حزب الله» و»التيار الوطني الحر» من شأنها ان تترك انعكاساتها على مسار الاستحقاق الرئاسي.
لودريان والخليفي
وفي أي حال، وفي الوقت الذي تترقّب الاوساط النيابية والسياسية عودة لودريان الى بيروت في جولته الرابعة تتلاحق الإتصالات لاستقصاء المعلومات المحيطة باللقاء الثالث لأطراف الخماسية الخاصة بلبنان الذي انعقد في نيويورك على هامش اعمال الدورة الـ 78 للجمعية العمومية للامم المتحدة وما انتهت اليه المناقشات في ظل اللغط الحاصل حولها.
وفي هذه الاجواء كشفت مصادر سياسية ونيابية مطلعة لـ«الجمهورية» انّ الجواب الشافي والكافي سيصل الى بيروت من قناتَين رسميتين تعتنيان بالوضع اللبناني، الاولى لودريان عندما سيزور بيروت ما بين نهاية الشهر الجاري ومطلع الشهر المقبل، والثانية زيارة الموفد القطري الرسمي وزير الدولة محمد عبد الرحمن الخليفي للبنان في الخامس من الشهر المقبل والتي يمهّد لها حالياً وفد قطري برئاسة المسؤول الامني جاسم بن فهد آل ثاني حيث يبحث مع مَن يلتقيهم في كثير من التفاصيل المتصلة بالاستحقاق الرئاسي، وقيل انه التقى في خلال عطلة الاسبوع عدداً من الشخصيات ورؤساء الكتل النيابية بعيدا عن الاضواء.
وكانت مصادر إعلامية قد اشارت الى انه في غياب اي معلومات عن لقاء عقده آل ثاني مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، فإنه التقى في عطلة نهاية الأسبوع كلّاً من رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع، رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد، وسط توقعات بأنه سيلتقي كلّاً من رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي تيمور جنبلاط ووالده النائب السابق وليد جنبلاط، رئيس حزب الكتائب اللبنانية النائب سامي الجميّل ورئيس كتلة «تجدد» النائب ميشال معوض.
الموقف السعودي
وكان سفير المملكة العربية السعودية في لبنان وليد بخاري قد قال في كلمة لمناسبة العيد الوطني السعودي الـ93 الذي أقامته السفارة في وسط بيروت مساء السبت: «إننا نتقاسم مسؤولية مشتركة من أجل الحفاظ على لبنان واحترام سيادته الوطنية». واضاف: «إنّ الفراغ الرئاسي يبعث على القلق البالغ ويهدد الجهود المبذولة لتحقيق الإصلاحات الملحّة، ولطالما أكدنا أن الحلول المستدامة تأتي من داخل لبنان وليس من خارجه والاستحقاق الرئاسي شأن سيادي يقرّره اللبنانيون بأنفسهم، ونحن على ثقة تامة بأنّ اللبنانيين قادرون على تحمّل مسؤولياتهم التاريخية والتلاقي على إنجاز الاستحقاق الرئاسي». وشدد على أنّ «الموقف السعودي في طليعة المواقف الإقليمية والدولية التي تشدد على ضرورة الإسراع في انتخاب رئيس قادر على تحقيق ما يتطلّع اليه الشعب اللبناني الشقيق، وسوف نواصل جهودنا المشتركة لِحثّ قادة لبنان على انتخاب رئيس والمضي في الإصلاحات».
«ساكتون ومُسهّلون»
من جهة ثانية شهدت عطلة نهاية الاسبوع جملة مواقف من الاستحقاق الرئاسي وسواه من الملفات المطروحة. فخلال جولة له وللرئيس السابق العماد ميشال عون في عكار، قال رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل ان «التيّار لا يمكن أن يكون ضد الحوار المجدي والجدّي، ولكن التيّار حريص على نجاح الحوار. نحن لم نضع شروطاً ولكن حدّدنا الظروف التي تؤدّي الى نجاح الحوار اي لانتخاب رئيس وفق برنامج، لأنّ البرنامج هو اهم من الشخص في هذه الظروف. واذا كان التيّار قد أبدى الايجابية والاستعداد، فيجب ان يكون الجواب بالمرونة وليس بالفَرض، لأنّه ثبت ان الفرض لا ينجح معنا». وقال: «عندنا رئيس حكومة كان موجوداً خلال موجة النزوح الأولى في 2011 وهو موجود خلال موجة النزوح الثانية في 2023 بعد 12 سنة، ولم يفعل شيئاً إلاّ الحَكي».
وسأل بالعامية اللبنانية: «منِرجَع منعِملو رئيس حكومة؟!». وتابع قوله بالعاميّة أيضاً: «عنّا مسؤولين سياسيين وامنيين، ساكتين ومسَهّلين لعملية النزوح. اليوم عم يتساهلوا بفتح الحدود البريّة لدخول السوريين الى لبنان، وعم يتشدّدوا بتسكير الحدود البحرية لمنع خروجهم. مِنجيب حدا منهم رئيس جمهورية؟». واعتبر ان «كل ادعاء بأنّ الجيش والأجهزة الأمنية عاجزة هو كلام باطل ويراد منه رئاسة». وتابع كلامه بالمَحكية: «بيضَحّكوني السياسيين يلّي ما هَمّهم الاّ يجيبوا رئيس نكاية فينا، مش كرمال البلد! قال شو؟ «عليّ وعلى باسيل يا ربّ»! يا حبيبي، عليك وحدك! إنتَ اصطفِل اذا بدّك تِغرق، نحنا ما رح نغرق معك. يلّي بدّو يمشي بأي تسوية خاسرة له وللبلد من دوننا، نقول له الله يوفّقك، بس رَح توقَع…». وختمَ كلامه بالقول: «التيّار سيبقى متصالحاً مع نفسه ومع كل الأوفياء في البلد، وسنكون دوماً حاضرين لإنقاذ لبنان واقتصاده».
لن ندع لبنان
من جهته، قال البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي خلال قداس احتفالي لمناسبة اليوبيل الذهبي للابرشية المارونية في استراليا انّ «الكنيسة لن تتهاون في شأن كل الأمور السلبية في لبنان. لن تسكت عنها ولن تمل عن الإلتزام برسالتها بواسطة مؤسساتها. فالتزامها واجب عليها من المسيح فادي الانسان ومخلص العالم». واضاف: «لن تدع لبنان وشعبه فريسة الظلم والاهمال والإستبداد والإستكبار ولن تصمت عن التنديد بعدم إنتخاب رئيس للجمهورية، وبتعمّد تغييب رئيس البلاد المسيحي الوحيد في أسرة جامعة الدول العربية، ومعه تغييب الثقافة المسيحية التي كانت في اساس إنشاء الدولة اللبنانية الموصوفة بميزاتها. وأولاها الفصل بين الدين والدولة، والمشاركة المتساوية بين المسيحيين والمسلمين في الحكم والإدارة، التعددية الثقافية والدينية في الوحدة، وحياد لبنان الإيجابي لكي يواصل أداء رسالته الخاصة به في بيئته العربية. كلها أمور أساسية لن نسكت عن المطالبة بها».
دولة قوية
وبدوره، قال متروبوليت بيروت وتوابعها للرّوم الأرثوذكس المطران الياس عودة خلال قدّاس إلهي في كاتدرائية القديس جاورجيوس: «على الجميع الاعتماد على الدولة، التي يجب أن تكون ملجأ الجميع وحاميتهم، تؤمّن حقوق جميع المواطنين وتَنشر العدالة فيما بينهم»، مشيرًا إلى أنّه «لكي نصل إلى هذا الوضع، يجب بناء دولة قويّة مكتملة العناصر، وعدم التّطاول على سيادتها وهيبة القضاء، والتوقّف عن التّنافر والتّناحر والابتعاد بالأهداف عن هدف الدولة». وركّز على أنّ «هذا الأمر يؤدّي إلى نزاعات وانشقاقات لا تُجدي ولا تنتهي إلّا بفشل الجميع وخسارتهم. والأجدى العمل السّريع على انتخاب رئيس وتكوين السّلطة، وتركها تحكم بالقانون والعدل والمساواة».
«حزب الله»
وقال نائب الأمين العام لـ«حزب الله» الشيخ نعيم قاسم، في احتفال تخريج طلاب «معاهد الآفاق»، انّ «لبنان قائم على التوافق والتوازن، وواجب النواب أن يهيئوا الظروف المناسبة لانطلاق المؤسسات». وأضاف «انّ الحوار هو الطريق الذي يوصِل الى المجلس النيابي، ومَن يرفضونه لا يريدون الجلوس مع الذين يعارضونهم». وأوضح انه «بدل من أن تزيدوا اللبنانيين بلاء بكثرة التحريض اعملوا على انجاز الاستحقاق النيابي الرئاسي بطريقة تجمع».
فائض القوة
من جهته، قال المفتي الجعفري الممتاز الشيخ احمد قبلان ان «لا فائض قوة في لبنان إلا لبعض القوى التي تشارك واشنطن مشروع تدمير الدولة والبلد والشراكة الوطنية، فيما البعض الآخر حَوّل حدود لبنان إلى حصن لا تطمع أي قوة في الأرض على غزوه». واضاف: «المطلوب من الكنيسة كما المسجد أن تصرخ بما يتعرّض له لبنان من واشنطن ومجموعتها الغازية، ولا يجوز ترك لبنان وشعبه ودولته فريسةً للغزو الأميركي للبنان». وتوجّه الى البطريرك الراعي قائلاً: «الحوار والتضامن يساويان إنقاذ لبنان ويمنعان الكثير من الكوارث، ولهما طعمة وطنية لأنهما أكبر ضرورات لبنان بهذه المعركة المصيرية، ولحظة المصير نحتاج رئيساً بحجم الكارثة التي تُزهق روح البلد، لذلك لحظ المشترع بالدستور اللبناني النِصاب الدستوري لانتخاب الرئيس فضلاً عن السلطة الإستنسابية لرئيس مجلس النواب تَنبّهاً منه لمصالح البلد العليا على مستوى الرئاسة. ولبنان اليوم في قلب حرب مصيرية. والقطيعة، فيما لبنان يتعرّض لأسوأ غزو أميركي، تساوي الخيانة».
وقال: «الحل بالحوار الإنقاذي لأنّ البلد يحترق واللعبة الدولية تريد رأس لبنان، والإستسلام السياسي يعني نهاية لبنان، وممارسة الفضيلة تبدأ من الكنيسة والمسجد، ولنصرخ معاً لكي نسمّي الظالم وما يتعرض له لبنان من واشنطن ومجموعتها، ومن دون ذلك ستحرق الطائفية وطن الآباء، ومن يغامر سيحرق البلد، ومن يطمع بما كان له زمن الغزو الصهيوني ينتحر. وما نريده لبنان بشراكته الكاملة والمسيحية درّة التاج بهذه الشراكة، ومبدأ الجسد الواحد يفترض الحوار الإنقاذي وليس القطيعة التي تخدم العدو الغازي، والمفروض بأهل الفضيلة فضح القطيعة لا جَلد مَن يدعو للتضامن والحوار الإنقاذي».
جلسة حكومية
وفي ظل الأجواء التي تترقّب الجديد المنتظر على مستوى الخماسية الدولية من أجل لبنان، ينتظر ان تعود الحركة الحكومية هذا الأسبوع بعد عودة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي من نيويورك بحيث بدأ التحضير لجدول اعمال الجلسة المقبلة التي من المتوقع ان يَستمزج رئيس الحكومة الوزراء آراءهم بجدول أعمالها وموعد انعقادها كما درجت العادة.
ولفتت مصادر وزارية عبر «الجمهورية» الى ان هناك بنودا عدة مؤجلة من جداول أعمال جلسات سابقة ولا بد من البَت بها قريباً نظراً للحاجة اليها، ومنها قضايا ادارية ومالية بعد البت بمشروع قانون موازنة العام 2024، وسط استبعاد البحث في اي تعيينات جديدة سواء في المؤسسة العسكرية التي تحتاج الى رئيس للاركان او في اي وزارة او مؤسسة اخرى تعاني الفراغ الاداري واشغال المراكز العليا فيها بالإنابة او بالوكالة، على رغم من المراجعات التي يجريها أكثر من وزير ومرجع سياسي وحزبي يتقدمهم رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي ونواب من كتلة «اللقاء الديموقراطي».