غطاء أميركي غربي فاتيكاني عربي إيراني لشخصية رئاسية توافقية لا تستفز المسيحيين
إنها مرحلة مخاض التسوية الرئاسية التي تُعد الفترة الأدق قبل الولادة والأكثر ألماً، وهي الفرصة المتاحة قبل إحتمال الولوج في شغور رئاسي طويل يفتح الأبواب أمام كل الاحتمالات.
هكذا يلخص ديبلوماسي غربي حال الواقع الرئاسي بعد “الخطوة إلى الأمام” التي تحققت في الآونة الأخيرة مع استقرار الرأي في الخماسية العربية الدولية على استبعاد أي من المتنافسين المعلنين على الرئاسة، على طريق الاستقرار على إسم توافقي يحظى بالدعم الخارجي المطلوب، والذي لا خلاص للبنان من دونه.
رسمياً، لم يُعلن هذا الإسم بعد، لكن الجميع يعلم أن حظوظ قائد الجيش جوزيف عون الذي خرق حال الركود بينه وبين رأس حربة المؤيدين لمرشح الممانعة سليمان فرنجية، “حزب الله”، في الصدارة.
الديبلوماسي الغربي يلفت الى أن عون لم يقطع المسافة الكبرى للوصول الى الرئاسة، لكنه تمكن من تقريب المسافة مع الحزب وقبله مع الرئيس نبيه بري. وبطبيعة الحال لا يمكن إعلان مؤيدي فرنجية جهاراً ورسمياً القبول بعون منذ الآن، لكن الوضع بات أصعب على الحزب وبري مع ما يلوح بفشل الحوار الذي دعا اليه الأخير مع نزع الغطاء المسيحي عنه.
فـ”القوات اللبنانية” و”الكتائب” يتخذان موقفاً مبدئياً من رفض الحوار “نتيجة كل ما سبق من نكث للوعود”، و”التيار الوطني الحر” يضفي غموضاً وعناوين كبرى لتحييد نفسه عن تلك الدعوة وعدم تمكين بري من حفظ ماء الوجه، وإضفاء المزيد من الضغوط الخارجية المعنوية عليه. وجاء موقف البطريرك الماروني بشارة الراعي بدعوته الى حوار خلال الانتخاب ليصعب الأمور على دعوة بري الى حد ضربها في الصميم.
حسم الخماسية لموقفها يعني أن الدور الفرنسي فقط حظوته وهو أصلا لم يكن واقعياً في احسن التقديرات، وكان متواطئا في أسوأها، وهو استمر حتى لحظات مضت في ترويج إسم فرنجية قبل سحب البساط من تحت أقدامه لصالح دور أميركي متعاظم تحت العنوان القطري.
ما سبق ذكره لا يعني أن لا منافسين لعون. ثمة أسماء تتداولها الألسن وأخرى ستظهر مع الوقت حتى ضمن معسكر الممانعة الذي لم يعد يجمِع، ولو على صعيد لاعبيه غير الرئيسيين، على إسم فرنجية، وثمة من يتحدث بإيجابية عن امكانية وصول عون الى الرئاسة باعتباره شخصية توافقية لصالح تسوية تلحظ رئيس حكومة أقرب الى الممانعة مثل الوزير فيصل كرامي على سبيل المثال لا الحصر.
طبعا تتقدم اسم كرامي أسماء مثل تمام سلام وغيره، لكن حسم الرزمة الكاملة التي تتخذ قضايا كالثلث المعطل وهوية من سيتولى الوزارات، لم تأت بعد، وقد لا تكون ضمن التسوية أصلاً.
والواقع ان أكثر من إسم يبرز في مواجهة عون، وان اقل حظوة. السفير جورج خوري، المدير العام السابق للمخابرات يبرز هنا لكن شخصية وزارية زارت الولايات المتحدة الأميركية مؤخراً تشير الى أن خوري غير مقبول أميركيا حسب ما تردد عن السفيرة في بيروت دوروثي شيا من دون تعليل الأسباب، علما انه يحتفظ بعلاقات جيدة مع أركان في الممانعة.
ناجي البستاني، المرشح الحقيقي للتيار، يتواجد من جديد ومعه زياد بارود ونعمة إفرام والإسم المستجد الياس البيسري الذي ثمة من يشير الى انه الثاني قطرياً بعد المرشح الحقيقي للدوحة جوزيف عون.
الدور القطري
في كل الأحوال تمكنت قطر (بغطاء سعودي) من تقريب وجهات النظر على القطعة بين الأميركيين والإيرانيين ما تجلى في الاتفاق الاخير بتبادل السجناء الأميركيين في مقابل الستة مليارات دولار التي يتردد أن قطر سددت فوائدها. وثمة من يشير الى أن الدور القطري في لبنان ليس غازياً فقط بل هو سياسي في الدرجة الاولى للدولة ذات المخزون الغازي الهائل وحيث القاعدة الأميركية الكبيرة.
لناحية “حزب الله” فهو يتمسك بفرنجية وسيترك للأخير قرار إعلان تخليه عن السباق مع ما يستوجب الحصول عليه في مقابل ذلك، والحزب لا يريد الظهور بمظهر المعطل للحل أو المعزز لإحباط المسيحيين، وهو منذ زمن ترك الباب مفتوحاً للقبول بعون.
للتذكير، لم يعلن الحزب مواقف معادية وحتى مخاصمة لعون، وقد قبل لحزب سابقاً برئاسة ميشال سليمان مع ان الأخير لم يكن كامل التعاون معه وقد أوقف شحنة سلاح للحزب في آب 2006 (قد لا يتذكر كثيرون ذلك). وهناك من يذكّر ايضا بأنه حتى إميل لحود الذي كان يقود الجيش في العام 1993، فقد شهد عهده مجزرة الغبيري في أيلول من ذلك العام حين نزل الحزب الى الشارع إحتجاجا على توقيع اتفاقية أوسلو.. مع أن القرار قد لا يكون عند لحود في إطلاق النار على المتظاهرين.
في كل الأحوال ثمة تقاطع حول أن هوية رئيس الجمهورية لن تخرج عن كونها شخصية مقبولة مسيحياً حاصلة على الشرعية النيابية، وهو أمر يؤكده الديبلوماسي الغربي الذي ينقل توافقاً أميركياً أوروبياً وخاصة فاتيكانياً، على هذا الأمر مع حرص عربي خليجي خصوصاً، وتفهماً إيرانياً وهنا الجديد في الأمر. ويأتي ذلك في إطار الحرص الدولي على المسيحيين ليس فقط في لبنان حيث الهلع الأقلوي، بل في المنطقة بعد كل ما تعرضوا له.
كل هذا يشير الى أن لبنان وإن كان غير حاصل على الأولوية لدى العالم اليوم، فإنه ما زال يحظى باهتمام ما على صعيد حفظ استقراره وبالتالي وحدته التي ما زالت نقطة تقاطع بين الأعداء الكبار.