هل أطلقت واشنطن صافرة انتخاب قائد الجيش؟
بدا واضحاً من خلال ما نقلته الزميلة هدى شديد أمس نقلاً عن مصادر ديبلوماسية تحدثت الى “النهار” عن اجتماع اللجنة الخماسية من أجل لبنان، ان واشنطن حسمت الامر، و”رفعت البطاقة الحمراء بوجه المبادرة الفرنسية وأي مبادرة تقوم على الحوار والتسويف وكسب الوقت، وأن في جعبتها بطاقة لمسار آخر نحو الحلّ”.
يتضح من المناقشات التي جرت في الاجتماع ان زيارة الموفد الرئاسي الفرنسي جان – إيف لودريان في تشرين الاول المقبل الى بيروت، ستكون محطته الاخيرة، قبل ان ينكفىء برغبة من أعضاء اللجنة، ليفسح في المجال أمام المبادرة القطرية الساعية الى انتخاب قائد الجيش العماد جوزف عون رئيساً للبلاد.
فقد دفع الاجتماع الى الواجهة طرحاً أميركياً – قطرياً يستعجل الحلّ الشامل ويضع له مهلاً زمنية لن تتجاوز آخر السنة الجارية، وبالتالي لا يمكن الشغور الرئاسي المفتوح ان يستمر الى ما لا نهاية.
وكانت لافتة للمرة الاولى رسالة مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى باربارا ليف التي قالت بلغة التهديد والإنذار إن الولايات المتحدة لا يمكنها أن تكمل في مساعداتها للجيش اللبناني في غياب حل سياسي شامل ومتكامل.
وكلام ليف يتضمن رسائل في اتجاهات عدة:
أولا: ان واشنطن قررت الدخول المباشر على خط الاستحقاق الرئاسي، وأنها دعت فرنسا الى الانكفاء، بدورها الضعيف، وخيارها الرئاسي الذي لا يرضي المجتمع الدولي.
ثانيا: ان اعتبار زيارة لودريان التشرينية محطة أخيرة يعني انتهاء مجالات التسويف وإهدار الوقت، وبالتالي وضع الاستحقاق على سكة الحل، وإلا…
ثالثا: ان الضغط الاميركي سيتصاعد في المرحلة المقبلة، وسيطلّ برأسه من السنة الجديدة عندما تنتهي الاعتمادات المالية المرصودة للجيش اللبناني، والتي قُدمت من واشنطن والدوحة. وانقطاعها تزامناً مع إحالة قائد الجيش الى التقاعد، يعني محاولة زرع الشقاق والفوضى داخل المؤسسة الامنية الأم، مع ما يعني حرمان العسكريين من منحة المئة دولار من تراجع في الاداء وربما تزايد حالات الفرار بما يهدد الأمن والاستقرار.
رابعا: ان التلويح بقطع المساعدات عن الجيش يدفع الى خيارات عدة، منها التمديد لقائد الجيش الحالي الذي تُسلّم اليه الهبات، وربطها بشخصه، أو تعيين أصيل بدلاً منه، أو انتخابه رئيساً للجمهورية وتعيين قائد جديد للجيش يتم التنسيق مع المجتمع الدولي لاختيار الأنسب من أسماء تكون مطروحة.
خامسا: ان إسناد مهمة تسهيل الانتخاب الى قطر يعني ضمناً الدفع باتجاه قائد الجيش، وإطفاء حظوظ المرشح الآخر رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية. وسيحلّ وزير الدولة القطري للشؤون الخارجية محمد الخليفي ضيفاً على لبنان في تشرين الأول المقبل لاستكمال مسعى بلاده.
سادسا: ان الأجواء التي بلغت بنشعي في هذا الاطار، دفعت بعض المحيطين الى الاعلان ان فرنجية سيزكّي قائد الجيش للرئاسة اذا انعدمت فرص الاول، قبل ان تسري شائعات مدروسة عن إمكان اعلان فرنجية عدم الاستمرار في السباق الى بعبدا، بما يوحي بتحضير أجواء وأرضيات مسهّلة للاستحقاق.
قد تكون الرسالة وصلت، لكن ذلك لا يعني ان الطريق فُتحت على مصراعيها، اذ ثمة تجارب مؤلمة سابقة، والكل يتذكر العبارة الاميركية الشهيرة “مخايل الضاهر أو الفوضى”، والرد عليها باختيار الفوضى. والتاريخ في لبنان غالباً ما يعيد نفسه.