هل الأحداث الأمنية المتنقلة انعكاس للتأزّم السياسي؟
تتدحرج الأحداث الأمنية من عكار الى عوكر مروراً بعين الحلوة وصولاً الى الاستفزازات الإسرائيلية على الحدود الجنوبية، فضلاً عن تضخم أعداد النازحين وما يستتبعه من ارتفاع نسبة الجرائم. فهل من خوف على الوضع الأمني في لبنان أم تبقى الأمور تحت السيطرة.
في الذكرى التاسعة والثلاثين لتفجير السفارة الأميركية في بيروت أطلق مجهول رصاصات من سلاح كلاشنيكوف على البوابة الرئيسية للسفارة الأميركية في عوكر من دون وقوع إصابات، وبحسب الرواية الأمنية فإن المسلح وصل إلى محيط السفارة الأميركية على متن دراجة نارية ونفذ عمليته وغادر، وعُثر عند مدخل مبنى مواجه لمكان إطلاق النار على فراغات لرصاص الكلاشنيكوف.
ولوحظ التباين في توصيف ما جرى، فبعد الرواية الأولى عن أن سيارة رباعية الدفع من ماركة باثفيندر دون لوحات أطلقت النار على المدخل الرئيسي للسفارة، جاء توضيح من مصادر أمنية يفيد أن الهجوم نفذه شخص كان على متن دراجة نارية.
في السياق يلفت وزير الداخلية السابق مروان شربل الى أن من الممكن أن تكون الدوافع فردية لإطلاق النار على السفارة، ويضيف لـ”النهار” أنه “يجب انتظار نتائج التحقيق لجلاء ملابسات ما جرى وإن كان هناك من ينحو في اتجاه تفسير ما جرى في أكثر من اتجاه وتوجيه الاتهام لطرف لبناني أو غيره”.
من عكار الى عوكر أحداث متنقلة
لا يكاد يمر يوم من دون تسجيل أحداث أمنية بدءاً من عكار وصولاً الى عين الحلوة مروراً بعوكر، وأيضاً الاعتداءات الإسرائيلية اليومية على الحدود الجنوبية. فهل من رابط بين تلك الأحداث أم هي منفصلة بعضها عن بعض وربما تعكس التأزم السياسي وانسداد الأفق أمام إنجاز الاستحقاق الدستوري الأول وهو انتخاب رئيس للجمهورية ومن ثم تأليف حكومة تنفذ الإصلاحات وتتصدى لتداعيات الأزمة الخانقة التي تلف البلاد.
فشربل يتوقف ملياً عند الأحداث في عين الحلوة وعدم التمكن من توقيف المطلوبين ويوضح “أكثر ما يقلق هو ما يجري في مخيم عين الحلوة واستمرار تحرك المطلوبين للعدالة وعدم إمكانية توقيفهم أو تسليمهم بموجب الاتفاق الذي أبرمته الفصائل الفلسطينية، وهنا لا بد من استبعاد تكرار تجربة نهر البارد على الرغم من محاولات جر الجيش للتدخل من خلال استهداف بعض مراكزه في عين الحلوة”.
لا يبدو أن الجيش في وارد التدخل عسكرياً في عين الحلوة لأسباب عدة، ومن الأفضل ترك الأمور في عهدة الفصائل الفلسطينية التي تنسق بشكل حثيث مع الحكومة لإنهاء سيطرة العناصر المتشددين على بعض أحياء المخيم.
بيد أن هناك من يربط أحداث عين الحلوة بأجندات خارجية ويلمّح إلى أدوار لأكثر من دولة في تلك الأحداث بموازاة تضخيم بعض الأحداث واستباق نتائج التحقيقات في أكثر من قضية.
ويستبعد شربل أي حرب بين اللبنانيين على الرغم من ارتفاع نسبة الأحداث والجرائم ويربط بعضها بارتفاع أعداد النازحين السوريين، ويشير الى “أن لا حرب بين اللبنانيين، والأمر غير وارد، وارتفاع نسبة الجرائم في جزء منه يعود الى تضخم أعداد النازحين، عدا أن الأحزاب القوية لا تريد الحرب وليست في وارد الدخول في أي مواجهة داخلية”.
تحذيرات السفارات الخليجية
في شهر آب الفائت أصدرت سفارات خليجية وفي مقدمها السفارة السعودية تحذيرات لرعاياها بعدم السفر الى لبنان فضلاً عن طلبها من الرعايا مغادرة البلاد، وهذه التحذيرات أرخت بثقلها على الأوضاع الداخلية، واستأثرت باهتمام القيادات السياسية والأمنية، وسط تساؤلات عما إن كانت لدى تلك السفارات معلومات أمنية على درجة عالية من الخطورة، لا تملكها بيروت.
ويربط أمنيون تلك التحذيرات بأحداث عين الحلوة حصراً، ويعزز ذلك الاعتقاد بأن المواجهات عادت واندلعت في أكبر مخيم للاجئين الفلسطينيين في لبنان وأن وقف إطلاق النار لا يزال هشاً في ظل عدم تنفيذ بنود الاتفاق الذي أعلنت عنه هيئة العمل الفلسطيني المشترك وخصوصاً لجهة إخلاء المدارس من المسلحين وتسليم المطلوبين باغتيال القائد في حركة “فتح” أبو أشرف العرموشي ورفاقه.
أما ما حدث في عين إبل فلا تزال تحقيقاته ملك القضاء والجهات الأمنية في انتظار كشف ملابسات مقتل ابن البلدة الياس الحصروني، علماً بأن رؤساء البلديات سواء في عين إبل أو بنت جبيل أو عيتا الشعب، أي البلدات المجاورة لعين إبل، يقللون من أهمية ما شهدته عين إبل هذا الأسبوع بعد حادثين تمثلا باعتراض شبان من عيتا الشعب وهم في طريقهم الى بلدتهم عبر عين إبل، وكذلك في إقامة حاجز لدقائق معدودة بين عين إبل وبنت جبيل. وحرص كل من رئيسي بلديتي البلدتين على التقليل من أهمية ما جرى داعيَين الى عدم تضخيم الأمر ومؤكدَين أن وتيرة الحياة على طبيعتها بين البلدات الحدودية.
لكن تبقى الاعتداءات الإسرائيلية على الحدود الجنوبية محط متابعة ولا سيما بعد استحداث جيش الاحتلال طريقاً عسكرياً في مزرعة بسطرة المحتلة وإقامة مرابض مدفعية مواجهة للخيمة التي أقامتها المقاومة في المزرعة المحتلة مطلع حزيران الفائت، ويرى خبراء عسكريون أن شرارة المواجهات بين المقاومة وتل أبيب قد تندلع بسبب تلك الخيمة.