“لا حظوظ لفرنجية” أبلغ لودريان من حاورهم باستثنائه
قصة اجتماع رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النيابية الحاج محمد رعد بقائد الجيش العماد جوزف عون صارت معروفة لكل اللبنانيين. فهم لا يحبون الأسرار وليس عندهم أسرار وإن اعتقدوا ذلك. ويؤمنون بالقول المأثور: كل سر جاوز الاثنين شاع، علماً بأنه يصبح شائعاً حتى لو لم يتجاوز الاثنين وخصوصاً إذا كانت أهداف أطرافه منه متباينة أو متناقضة. الدافع الى الاجتماع كما صار معروفاً تلبية الحاج رعد دعوة ضابط رفيع في الجيش مع “الجنرال” ميشال عون قبل أن يصبح رئيساً وبعدما تربّع على سدة الرئاسة عام 2016 اسمه “ديدي” رحال. وكان مبرّر قبوله الدعوة تهنئة الأخير بالسلامة بعد جراحة صعبة أجراها. لكن كان واضحاً أن لها بعداً آخر هو اللقاء بين رعد وقائد الجيش العماد جوزف عون صديق الضابط المذكور ونسيبه. يستبعد عارفو “الحاج” كلهم أن يكون فوجئ بوجود “القائد” في اللقاء. طبعاً ليس الهدف من العودة الى اللقاء انتقاده والإساءة الى الداعي إليه و”معزومَيْه” الرئيسيين. فالتواصل ضروري بين الأصدقاء والحلفاء والعاملين معاً كلٌ من موقعه من أجل السعي لتجنيب البلاد وقوعاً نهائياً في “جهنم” أو لتمكينها من الخروج منها، كما من أجل تقديم التهاني في مناسبات اجتماعية وعائلية وصحية. لكن الهدف منه بعدما عُمّمت أو تعمّمت تفاصيله على الإعلام تصحيح أمر واحد فقط بعد تعليق العماد جوزف عون على ما نُشر عن اللقاء في وسائله كلها. فهي نقلت قوله بعد انتشار خبر الاجتماع أن السياسة لم تكن جزءاً من الأحاديث التي تبودلت وأنه غير مهتم بالسياسة أو بالرئاسة واهتمامه محصور بالأمن أي بمهماته كقائد للجيش. والتصحيح المستند الى معلومات دقيقة من “جهات واصلة” إذا جاز التعبير هو الآتي: “تساءل العماد جوزف عون عن الأسباب التي تحصر البحث الدائم في الاتصالات الدائمة بينه وبين “#حزب الله” بالمسائل والقضايا الأمنية”. طبعاً كان هناك ردٌ من “الحاج” وبعض نقاش لم يُسرَّب منهما أيّ شيء عمداً أو لم يتسرّب بفعل فاعل. علماً بأن أحد المسؤوليْن المهمّيْن في “حزب الله” اللذين يُكلّفان عادةً مهمات تواصلية مع الأطراف السياسيين وغير السياسيين لا تبدو علاقته جيدة بقائد الجيش.
في أي حال لا بد من تناول زيارة موفد الرئيس الفرنسي جان – إيف لودريان الأخيرة للبنان الأسبوع الماضي التي لم يتطرّق إليها “الموقف هذا النهار” في حينه على أهميتها بسبب ضآلة نتائجها وثانياً بسبب ضرورة إيلاء الحرب الداخلية في مخيم عين الحلوة الفلسطيني في الجنوب التغطية والاهتمام اللازمين نظراً الى خطر استمرارها على الفلسطينيين وقبلهم على اللبنانيين الذين لا يحتاجون الى كارثة جديدة تُضاف الى كوارثهم. السؤال الذي يطرحه اللبنانيون العاديون على أنفسهم كما السياسيون على تناقض مواقفهم وأحزابهم وطوائفهم ومذاهبهم هو: ما الذي جرى فعلاً بين لودريان والذين التقاهم من هؤلاء؟ الجواب الذي تقدمه معلومات قريبين من جهات فاعلة وأساسية شملها الحوار يفيد “أن لودريان لم يكن عنده شيء. تكلم الى الذين التقاهم بوصفه ممثلاً للجنة الخماسية ويبدو أنه كذلك فعلاً. فالمملكة العربية السعودية لم تقترح اسماً محدّداً لرئاسة لبنان لكنها قالت للودريان: “توصّل الى أي نتيجة في الحوار الذي ستُجريه ونحن نؤيّدك”. طبعاً ليس للودريان في هذه المرحلة على الأقل مرشح للرئاسة يدعمه وبلاده ويروّجان له. فاقتراح فرنسا سابقاً ثنائية سليمان فرنجية رئيساً ونواف سلام رئيساً لأول حكومة في عهده لم يعد مطروحاً، وربما رئاسة فرنجية نفسه لم تعد مطروحة. لكنه في اجتماعه بالنائب عن “حزب الله” الحاج محمد رعد لم يأتِ على ذكر انتهاء الحظوظ الرئاسية لفرنجية. علماً بأنه أكد ذلك في اجتماعاته مع آخرين بقوله لهم “لا حظوظ لسليمان فرنجية”.
ماذا كان موقف رئيس “أمل” ومجلس النواب نبيه بري قبل مجيء لودريان الى بيروت وفي أثناء لقاءاته فيها كما بعد عودته الى بلاده؟ قال، استناداً الى الجهات الفاعلة الأساسية نفسها، إنه يدعو الى حوار لمدة سبعة أيام تُعقد بعده جلسات متتالية لانتخاب الرئيس، وأوضح رداً على التباسات بعضها مشروع وبعضها سيّئ النيّة أنه قصد جلسة ودورات متتالية. وهو أعلن مبادرته في مهرجان ذكرى تغييب الإمام الصدر في شهر آب الماضي. قال بعد ذلك بأيام إنه قصد سبع جلسات حوار لا سبعة أيام وربما يفصل الجلسة عن الأخرى أسبوع أو أكثر. لكنه قال في خطبته سبعة أيام ونقلت عنه ذلك وسائل الإعلام كلها. لماذا فعل ذلك؟ وهل وصل الى اقتناع بأن اقتراحه لم “يمشِ”، وبأنه لا يستطيع التمسّك به في حال رفضه ولا التخلّي عنه في الوقت نفسه. لكن الظروف والأوضاع هي التي ستجعله على الأرجح لاغياً مع الوقت. أما سبب طرح بري لودريان شريكاً له في الحوار فربما تلفّظ به لأنه لا يمتلك أساساً طرفاً محدّداً ولا اسماً محدّداً ولا خطة محدّدة. والاثنان أي بري ولودريان “يعكّز” كل منهما على الآخر، وعذراً لاستعمال هذه الكلمة، فهي الوحيدة التي تعبّر عن المعنى المقصود ولا ترمي طبعاً الى الإساءة الى صديق عزيز جداً ودائم، والى ممثل رئيس دولة محبّة للبنان ربما أكثر من شعوبه. وربما يعود لودريان الى لبنان مرة أخرى قبل تسلّمه “وظيفته” المهمة في السعودية قريباً جداً.
في أي حال، ليس هناك رئيس في أيلول الجاري ولا حتى في ما بقي من السنة الحالية على الأرجح، إذ لا يمتلك أي طرف داخلي أو خارجي طرحاً جدياً قابلاً للترجمة.