الخطر يحدق بالتعليم الرسمي… والخاص أيضاً!
ليس التعليم الرسمي وحده في دائرة الخطر. التعليم الخاص أيضاً يواجه أزمة لا تقل خطورة ويعاني من توتر العلاقات بين مكوناته في ضوء دولرة الأقساط وتفريخ العديد من الدكاكين وما سببه الانهيار العام في البلاد، والتي تنعكس على المستوى العام للمدارس.
المعوقات التي تواجه السنة الدراسية تشمل أيضاً الرسمي والخاص، رغم الاختلاف في الملفات بين القطاعين، فإقلاع الدراسة في شكل سليم مرتبط بحل المشكلات العالقة في الرسمي خصوصاً تأمين التمويل للعام كله ليتمكن الاساتذة من تأدية رسالتهم والدخول الى الصفوف وعدم المقاطعة في منتصف السنة أو في الفصل الثاني منها. أما في الخاص، فتضغط دولرة الأقساط وعدم الالتزام بالقانون 515 إضافة الى المشكلات الاخرى المرتبطة بالمعلمين على إقلاع الدراسة واستقرار التعليم.
لكن الخطر الفعلي والأساسي هو على المدرسة الرسمية. الامر يعود إلى تراكمات مستمرة خلال الأعوام السابقة لم تستطع وزارة الوصاية حلها نتيجة عوامل عدة، أولها مرتبط بالإمكانات، وثانيها في غياب سياسة رسمية للسلطات تقارب ملف التعليم بطريقة مختلفة وتجعله من الأولويات. فالتمويل يجب أن يندرج ضمن سياسة لا ترى في التعليم الرسمي مجرد مكان للتنفيعات والمصالح الضيقة، أو للتوظيف وتسجيل مواقف شعبوية لا تصب في مصلحة التعليم، انما تتجاوز مشكلته الأساسية أي الأزمة البنيوية التي يعانيها وتحتاج إلى معالجة شاملة يدخل المال ضمنها، وذلك على الرغم من أن التمويل ودعم القطاع مالياً يشكل مدخلاً لسنة دراسية سليمة. وينسحب الامر أيضاً على الخاص، فلا إمكان لمنع المدارس من اعتماد الدولرة أو جزء منه في ظل الانهيار الشامل، لكن في الوقت نفسه يمكن اتخاذ اجراءات تنظم العلاقة بين مكونات المدرسة انطلاقاً من روح القانون 515، انما بتوزيع الخسائر في شكل عادل، مع تحميل الكلفة الاعلى للمدارس طالما أن الدولرة لا تنعكس زيادة فعلية على رواتب المعلمين.
الخطر مستمر على التعليم، لكن لا يعني ذلك أننا وصلنا إلى مرحلة اللاعودة أو الموت خصوصاً في الرسمي، إذ لا يزال هناك رصيد يمكن البناء عليه للإنقاذ. يمكن الرهان على السنة الدراسية الحالية للتعويض إذا سارت الامور في شكل طبيعي والتحق الأساتذة بمدارسهم وثانوياتهم بعد تأمين الحوافز الاولى وبدلات الإنتاجية التي اعلنها وزير التربية، وإن كانت لا تحقق مطالب القطاع ورابطاته ومتعاقديه كما رفعوها. انطلاق الدراسة يعطي مؤشراً لإمكان انقاذ العام الدراسي وتعويض القاقد التعليمي وحماية المدرسة واحتضان تلامذتها تجنباً لهجرتهم أو تسربهم.
لا شك أن وضع التعليم اليوم يختلف عما كان عليه في فترات سابقة خصوصاً قبل الحرب، وينسحب هذا الأمر على نضالات المعلمين وحركتهم النقابية التي تعاني أصلاً من مشكلات بنيوية. مقاطعة التدريس راهناً من دون الموازنة بين المطالب وحماية التعليم يؤدي إلى نتائج كارثية، خصوصاً وأن صراع المعلمين من أجل حقوقهم يتوجه نحو دولة مفلسة، فكلما تمكنوا من تحصيل جزء من حقوقهم يمكن عندئذ البناء عليه لتسيير العام الدراسي وضمان استمرارية التعليم. هكذا يمكن المعلمين أن يكونوا أكثر انسجاماً مع وظيفتهم بتقييم جدوى اي تحرك تصعيدي وقياس الخسائر والأرباح بالنسبة اليهم أولاً وأيضاً في ما يتعلق بصمود مدارسهم وثانوياتهم.
واذا كانت المشكلة تختلف في الخاص، إلا أن الأزمات تأخذ التعليم في مركب واحد. الانهيار أدى الى هجرة اساتذة متخصصين في الخاص، كما دفع أساتذة الرسمي الى التعليم في المدارس الخاصة. الأزمة مترابطة ولا يمكن حلها برفع الشعارات التي تدعو إلى المقاطعة حتى تحقيق كل المطالب. مستقبل التعليم على المحك قبل الحديث عن الاصلاحات الضرورية التي يبدو أنها معلقة بفعل الأزمة والتدخلات السياسية السلطوية التي لا تريد فعلاً أن ينتقل التعليم الرسمي إلى مسار التعافي والحداثة.