إعتكاف القضاة: إستجابة متفاوتة مع الحلول الترقيعيّة!
بعد ترقّب القضاة المعتكفين اجتراح الحلول الكفيلة بتأمين ظروف عودتهم اللائقة إلى العمل مع بداية السنة القضائية، حمل رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود إلى الجمعية العمومية يوم الإثنين الماضي، المعاناة التي تطال جميع المؤسسات والقطاعات في لبنان والتي تسري بطبيعة الحال على القضاة، متمنياً عليهم المزيد من التضحية والتحلّي بروح المسؤولية، رأفة بالموقوفين والمتقاضين والمحامين ولتجنيب السنة القضائية بداية متعثرة.
وبعد العرض المسهب للجهود التي يبذلها مجلس القضاء الأعلى من أجل تحسين ظروف العمل القضائي وضرورة تسييره وتفعيله، كشف أحد القضاة المشاركين في الجمعية العمومية لـ»نداء الوطن»، أن المساعي التي يقوم بها «المجلس» تقتصر على تأمين سلفة الألف مليار ليرة لبنانية التي أقرتها الحكومة، الكفيلة بتأمين حلّ موقت لتغطية المصاريف الإستشفائيّة للقضاة والتعليمية لأولادهم لمدة لا تتجاوز الخمسة إلى ستة أشهرٍ كحدٍ أقصى. وذلك وسط إغفال الغوص في وجوب تحسين رواتبهم. وهذا ما دفع مجلس القضاء إلى رمي الكرة في ملعب وزارة المالية ومجلس النواب الذي يعود إليه رفع الرسوم المستوفاة لصالح صندوق تعاضد القضاة، قبل أن يعمد بدوره إلى تحسين وتحصين ظروف عمل القضاة.
ومع توقف القضاة عند وجوب أن تسري «الدولرة» على رواتبهم، أسوة بما يطال الرسوم المستوفاة لكتّاب العدل التي تعمد وزارة العدل إلى تحديدها، كما أتعاب المحامين، وجد المشاركون في الجمعية العمومية أنهم يدورون في حلقة مفرغة، تتخللها حلول ترقيعيّة لا تتخطى مفاعيلها أشهراً معدودة، وهذا ما دفع القضاة الخمسة أو الستة الذين تناوبوا على الكلام باسم 250 قاضياً وقاضية لشرح المعاناة التي يمرون بها، إلى مطالبة رئيس مجلس القضاء الأعلى والمستشارين الأربعة الذين حضروا الجمعية العمومية بمعرفة ماذا ينتظرهم بعد انتهاء السلفة؟!
ومع تملّص مجلس القضاء من الإجابة وتأكيده أنّ القرار في نهاية المطاف في عهدة السلطة السياسيّة، تمنى على القضاة المعتكفين معاودة العمل، بصيغة التمني وليس عبر مطالبتهم والضغط عليهم من أجل فكّ الإعتكاف، لينقل أحد المشاركين الإجابة التي لطالما كررها «الرئيس» على مسامع المشاركين: «من هلأ لوقتها منشوف شو منعمل».
وإذ كانت السلفة الموعودة كفيلة بتأمين بعض مطالب القضاة الإستشفائية والتعليميّة، إلا أنّها لا تلحظ تحسيناً لمقومات العمل التي تفتقدها غالبية قصور العدل في لبنان، وهذا ما دفع أحد المشاركين إلى التشكيك بالوعود الكلامية التي يطلقها المعنيون، مع وصفه الظروف التي شهدتها الجمعية العمومية في أهم قاعة في لبنان، أي قاعة 4 آب في محكمة التمييز، بـ»المهينة» وغير المقبولة مع دعوة جميع القضاة في لبنان إلى قاعة مقفلة من دون تأمين الكهرباء ووسائل التبريد المطلوبة، ما دفع كثيرين إلى تلافي المزيد من «الإذلال» والمغادرة قبل انتهاء اللقاء واقتراح تسمية القاعة بـ»قاعة الصونا».
وعلى الرغم من جميع الملاحظات التي وضعها القضاة في عهدة مجلس القضاء الأعلى، وإسهاب الرئيس عبود في التأكيد على أنّ المعاناة تطال جميع المواطنين ولا تقتصر على القضاة، برز توجه نحو الإستجابة المتفاوتة لفك الإعتكاف وتسيير أمور المتقاضين وإعطاء المزيد من الوقت لوزير العدل ومجلس القضاء الأعلى من أجل إيجاد حلول مستدامة للسلطة القضائية، رغم ملاحظاتهم المتكررة وامتعاضهم من الموازنة المرصودة لوزارة العدل والتي لا تتعدى الـ0.32 في المئة من إجمالي الموازنة العامة، وهذا ما رأى فيه المعنيون تعبيراً واضحاً يعكس قلّة اهتمام السلطة السياسيّة بالسلطة القضائية.