صفقات محتملة وفق معادلة «رابح – رابح»
لم تفاجئ أحداً صفقة السجناء والمليارات بين طهران وواشنطن، ولا الانفتاح الرياضي المُبالغ فيه بين طهران والرياض. وعلى الأرجح، ستكون هناك «خبطات» تطبيع أخرى بين إيران وخصومها الدوليين والإقليميين في المديين القريب والبعيد، ويُفترض ألاّ تفاجئ أحداً، لأنّ المبررات كلها موجودة.
يسود انطباع في العديد من الأوساط بأنّ الشرق الأوسط على وشك صفقات وتسويات شاملة أو موضعية، قطباها الأساسيان هما: إيران ثم وإسرائيل. وفي الأشهر الأخيرة، تلاحقت الإشارات إلى هذا الاتجاه التسووي.
الإيرانيون يريدون واقعياً بسط نفوذهم على امتداد الهلال الشيعي، وتطبيع هذا الواقع بصفقات مع الخصوم العرب.
وفي المقابل، الإسرائيليون الذين تمكنوا من تكريس احتلالهم لأجزاء من المشرق العربي، يسعون اليوم إلى تطبيع موقعهم التوسعي في المحيط العربي، سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، باعتبارهم القوة الأكثر تفوقاً في الشرق الأوسط.
الواضح أنّ إيران من شرق العالم العربي، وإسرائيل من غربه أو من قلبه، كلتاهما تتمتعان بالقدرة على خرقه، بالحروب أو بصفقات التطبيع. وثمة اقتناع لدى الكثير من الخبراء بأنّ الحلول الآتية في الشرق الأوسط لا يمكن أن تتجاوز هذا الواقع. والقوى الدولية العظمى، في سعيها إلى تأمين مصالحها في الشرق الأوسط، ستجد نفسها أمام حتمية التفاهم مع إيران من جهة، وإسرائيل من جهة أخرى.
وثمة سيناريو يعتقد هؤلاء الخبراء، أنّه سيُعتمد في أي تسويات إقليمية مقبلة، وفيه يتمكن الأقوياء من فرض خياراتهم. واللافت مثلاً أنّ الصفقات التي تعقدها إيران مع العرب أو الولايات المتحدة تكون فيها الأقوى. والتأمّل في الصفقة الأخيرة التي أفرجت فيها واشنطن لطهران عن 6 مليارات دولار كانت محتجزة يؤكّد ذلك. وأساساً، اتفاق 2015 حول النووي كان أيضاً لمصلحتها. وعلى الأرجح، الصفقات المقبلة ستكون كذلك.
يستطيع الإيرانيون أن يقايضوا العرب والعالم من خلال ما يتمتعون به من قوة في المنطقة. بل إنّهم يستطيعون تسويق الصفقات على أساس رابح- رابح، من لبنان إلى اليمن مروراً بسوريا والعراق. ويمكن أن يكون اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، العام الفائت، أحد النماذج، حيث الجميع حصل على ما يريد: إسرائيل حصلت على الطاقة وأمنها، «حزب الله» على الاعتراف بالنفوذ، الولايات المتحدة على السيطرة الاستراتيجية، وفرنسا وأوروبا والخليجيون والعرب على ضمان المصالح الاقتصادية والسياسية.
في الصفقات الإقليمية المقبلة، سيكون أمام القوى الدولية- والولايات المتحدة تحديداً- أن تراعي مصالح إسرائيل كأولوية لأنّها حليفة تقليدية، وكذلك مصالح إيران لأنّها الأقوى بامتداداتها على الأرض.
سيقول الإيرانيون: تعالوا معاً إلى الصفقة التي ترضي الجميع ويخرج منها رابحاً:
السعوديون ماذا يريدون؟ أن ينجح مشروعهم التنموي العملاق وينقل المملكة إلى مصاف البلدان الطليعية في العالم. وإيران مستعدة للمساهمة في تحقيق هذا الهدف. ولن يكون في الخليج أي «شغب» من جانب حلفائها في اليمن والمجموعات التي تمون عليها داخل بلدان المجموعة الخليجية. مقابل أن تعترف دول الخليج بحقوقهم.
والأميركيون ماذا يريدون؟ أن تبقى لهم السيطرة على منابع الطاقة في الشرق الأوسط، وألاّ تنافسهم الصين وتقطع عليهم الطريق. وهذا أيضاً ممكن التحقيق من دون إزعاج الحليف الصيني. وأما إسرائيل فيتمّ التزام قواعد الاشتباك على حدودها إلى آجال غير محدّدة.
وحتى البلدان المضطربة التي تتحكّم بها إيران، يمكن أن تُصاغ فيها حلول تحفظ الاستقرار، طبعاً تحت سقف السيطرة. مثلاً، يمكن لسنّة العراق وسوريا ولبنان، وللأكراد، ولمسيحيي لبنان، وللدروز، أن يحققوا جانباً من طموحاتهم. فما مشكلة إيران مثلاً في قيام أنظمة لامركزية أو فدرالية، إذا كانت هي التي تمتلك السلطة الأساسية، في المركز، أي على مستوى المال والعسكر والسياسة الخارجية؟
لذلك، حتى المؤتمر التأسيسي الذي يطرحه «حزب الله» قد ينتهي بتسوية تاريخية جديدة في لبنان، تشعر فيها كل الطوائف بأنّها رابحة. ولكن، تحت سقف النفوذ الكبير في المركز، الذي سيبقى لإيران وحلفائها حتى إشعار آخر.
لذلك، يتنامى الكلام على تسويات أو صفقات شاملة وموضعية في الشرق الأوسط. وأكثر من أي يوم مضى، هناك فعلاً مناخ صفقات قيد الولادة على مستويات مختلفة، سواء على المحور الإسرائيلي أو على المحور الإيراني.
والسؤال هو: إزاء هذا المناخ، أين هم العرب الواقعون بين مخططات إسرائيل التوسعية وطموحات إيران، والذين سيكونون عملياً قالب الحلوى الموضوع لقمة سائغة على طاولة المقايضات؟
الخشية هي أن يكون هؤلاء العرب قد «تحلّلوا» بين سنّي وشيعي وكردي، وأراحوا الجميع من «عروبتهم». وبعد ذلك، يصبح سهلاً التعاطي معهم كأقليات متناحرة على الصغائر، لا حاضر لها ولا مستقبل.