أيّ توجّهات للنوّاب السنّة بعد لقاء السفارة؟
أحد الخروقات التي حققتها الجولة الأخيرة للموفد الرئاسي الفرنسي تمثل في جمع ٢١ نائباً سنياً في دارة السفير السعودي وليد بخاري للقاء الوزير السابق جان إيف لودريان، في سياق جدول أعمال من بند وحيد هو الحوار من أجل انتخاب رئيس.
طرح التقاء النواب الـ٢١، للمرة الأولى ربما منذ انتخابهم تحت سقف واحد وعنوان بحث واحد أكثر من علامة استفهام، فرضتها ظروف الدعوة وصاحبها والشخصيات المشاركة فيها، أكثر مما طرحته المداولات وما خلصت إليه بالنسبة الى طاولة الحوار أو انتخاب الرئيس. فالدعوة الموجهة أساساً من لودريان نفسه الذي طلب لقاء النواب، كان سيتعذر عليه لقاء النواب السنة الـ٢٧ بسبب الانقسامات التي تظللهم ولا تجعلهم ضمن اصطفاف واحد أو حتى اثنين، كما هي حال القوى السياسية الأخرى ضمن طوائفها. بل إن مشكلة النواب السنة أنهم متعدّدو القبعات، بين من لا يزالون يدورون في فلك الحريرية أو ما بقي منها، ومن هم ثابتون في انتمائهم الى محور الممانعة ضمن المحور السوري الإيراني، ومن هم مترددون أو تائهون في البحث عن هوية مستقلة أو قبعة يرتدونها ضمن القبعات المتوافرة.
ظروف كثيرة أسهمت في تفاقم حالة الانفصام داخل الطائفة السنية، بدأت ملامحها تتبلور أكثر مع اعتكاف الرئيس الأسبق للحكومة سعد الحريري ومغادرته لبنان كلياً، من دون إحلال بديل أو أقله وكيل يملأ فراغ الغياب والاعتكاف. ثم تفاقمت في ظل انتخابات نيابية بقانون مجحف توزعت فيه أصوات القاعدة السنية بين مزاج يحن الى ماضٍ اندثر وبين ثائر على وضع خرج عن طريقه وعن السيطرة عليه بفعل الممارسة.
غياب القيادة السياسية للطائفة دفع برئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة مرة الى اقتراح إنعاش نادي رؤساء الحكومات السابقين بقيادة الحريري نفسه، لكن الأخير الذي قرّر اعتزال العمل السياسي بالكامل، رفض الاقتراح، فانفرط عقد النادي، وظلت الطائفة من دون قيادة. ومع اقتراب موعد انتخابات المجلس الإسلامي الشرعي وانتهاء ولاية المفتي عبد اللطيف دريان، دخلت المملكة العربية السعودية على خط احتواء الفراغ، فأعادت الى القيادة الروحية مرجعيتها وإدارتها.
وجّهت السفارة في بيروت الدعوات الى ٢٣ نائباً من أصل ٢٧. استُثني من الدعوات النواب المحسوبون على “حزب الله”، كما النائبان حليمة القعقور وجهاد الصمد، فيما دُعي النائبان أسامة سعد وإبراهيم منيمنة ولم يحضرا، فاقتصر الحضور على ٢١ نائباً تفاوتت الآراء والمواقف في ما بينهم حيال مسألة المشاركة في الحوار أو عدمها. وكان واضحاً من التصريحات التي أطلقت بعد الاجتماع أو ما سُرّب عن فحوى المناقشات الداخلية أن الآراء بمجملها ذهبت في اتجاهين، بين جهة تمثل نواب المعارضة رفضت الفكرة من أساسها لاعتبارها مخالفة للدستور وتفرض أعرافاً جديدة، فيما الدعوة الى جلسات انتخاب متتالية شكلت بالنسبة الى هذا الفريق لعباً على الكلام لتنفيذ الدستور بقوة السلاح، فيما التزم النواب الآخرين الذين يدورون في الفلك الثامن آذاري بدعوة رئيس المجلس.
وفي انتظار أن تنتقل مسألة الحوار من اقتراح الى إجراء عملي، ترى مراجع سياسية في الطائفة السنية أن المرحلة اليوم هي مرحلة تقطيع وقت للانتقال الى مرحلة جديدة تنهي عناوين المرحلة السابقة وتنتقل الى مرحلة ترسيم الرئاسة عبر تسويق الخيار الثالث، تماماً كما حصل في الترسيم البحري.
لم تعوّل المراجع المشار إليها كثيراً على الاستضافة السعودية للقاء أو على جمع ٢١ نائباً تحت العباءة السعودية لأنها تعتقد أن المملكة لم تخرج من موقع المتفرج بعد، ولم تنخرط عملياً وفعلياً في المشهد اللبناني الداخلي، وهي لا تزال في مرحلة ترقب ورصد قدرة اللبنانيين على إحداث الخرق المطلوب واختيار الرئيس الذي يتمتع بالمواصفات السيادية المطلوبة، كما وضعتها دول الخماسية والبرلمان الأوروبي. أما قبل ذلك، فعلى الصف السني أن يشد عصبه ويخرج من الدائرة الرمادية الضبابية التي يقبع فيها، علماً بأن حال الطوائف الأخرى ليست أفضل، وجميعها مأزومة بدرجات متفاوتة، ولكنها تنجح في تجاوز مأزوميتها.
تخلص المراجع الى الإعراب عن أملها في أن تخرج المملكة من حالة العتب على قيادة سابقة تحمّل تبعاتها الطائفة اليوم، ذلك أن الحاجة اليوم الى المشروع العربي الواحد لمواجهة المشروع الإيراني ولبنان آخر السدود المنيعة فيه.