هل يدفع المسيحيون ثمن تعدديتهم؟
في ظل الأزمات المعيشية والاقتصادية المتنامية والمتشعبة وفي ظل أخطار الطبيعة وما نتج عنها من كوارث بشرية في الدول المجاورة، وفيما البلاد تعيش أزمة حكم ناتجة عن تصرفات لا دستورية ولا ميثاقية يقوم بها رئيس حكومة تصريف الأعمال، تراوح الأزمة السياسية مكانها حيث يتعذر انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
وهكذا وبالرغم من كل المحاولات والتي كان آخرها لقاء باريس، لم تنجح كل القوى الإقليمية والدولية لإيجاد الحلول والمخارج لمساعدة اللبنانيين على تأمين انتخاب رئيس يكون مدخلاً لملء الفراغ وقيادة البلاد إلى شاطئ الأمان. فهل أصبح الجميع عاجزاً فيما معظم القوى السياسية في الداخل لها امتداداتها إن لم نقل ارتباطاتها الخارجية؟ أم أن الحلول لم يحن آوانها بعد، وأن هنالك قطباً مخفية لا يعلم بها سوى واضعيها؟
من الواضح أن محاولة الحلول الجاري العمل عليها تضع في أولوياتها مصلحة الدول التي تتولى الحل والربط ولا تأخذ بالحسبان مصلحة اللبنانيين أنفسهم، وهم وكما يقال يضعون العربة قبل الحصان وبالتالي هم يأتون بحل معلّب من الخارج يحاولون تسويقه في الداخل، بدلاً من استنباط ما يريده اللبنانيون وما هو الحل الذي ينابسهم ليصار إلى إيجاد الدعم الخارجي والإقليمي له.
حتى إن بعض من في يده القدرة على القرار يضع وبشكل سافر المسؤولية على اللبنانيين أنفسهم، فيطلبون منهم التوحد في ما هم يعملون على تفريقهم بشكل ممنهج ومدروس، في لعبة أدخلوا عليها الاقتصاد والدولار ولقمة عيش اللبناني ودوائه، يطلبون من اللبنانيين التوحد حول مرشح عتيد للجمهورية يضعون هم مواصفاته ويذهب البعض إلى أبعد من ذلك ويطلبون تأييد هذا المرشح أو ذاك، فيسألون بسذاجة عن المرشح كما يُسال عن رأس البطيخ بالقول «أخضر من برا أحمر من جوا».
من هنا فإن المطلوب من كل الذين يريدون مساعدة اللبنانيين على انتخاب رئيس، أن يقوموا بتقريب وجهات النظر وتشجيع الحوار، توصلاً للوفاق والاتفاق على إسم المرشح العتيد، على أن يتم ذلك وفقاً لواقع الحال السياسي وموازين القوى السياسية وأحجامها داخل البرلمان، مع الأخذ بالاعتبار الحيثية الطائفية والحيثية الوطنية للمرشح، فلا يسقط على اللبنانيين رئيساً بالباراشوت لا يتمتع بالحد الأدنى من المعايير التي تؤمن استمرار حكمه واستقراره، بحيث يستطيع الحكم والخروج بحلول لا أن يكون مجرد رئيس يدير الأزمة ولا يساهم بحلّها.
ومن آخر البدع التي يُنادي بها بعض المحللين أن سبب المشكلة في لبنان هي عدم اتفاق المسيحيين في ما بينهم، وعدم توحدهم في توليفة سياسية موحدة على شاكلة التوليفة التي تجمع بقية الطوائف من سنّة وشيعة ودروز، ويعيب البعض على المسيحيين كونهم موزعين في تحالفاتهم بين السنّة والشيعة. لقد نسي البعض أن المسيحيين هم أرباب التنوع والتعددية في لبنان، ونسوا أن فرادة لبنان تكمن في تعدديته، وتبعاً لذلك كان لبنان ملاذاً لكل الطوائف والمذاهب والإتنيات من فلسطينيين وسوريين وأرمن وسريان وأشوريين وعراقيين. إن التعدد في الجسم المسيحي هو مصدر غنى وليس سبب ضعف، وإذا كنا اليوم نعاني من أزمة في انتخاب الرئيس الماروني فإن ذلك يعود أولاً وأخيراً إلى أزمة النظام القاصر عن اجتراح الحلول والعاجز عن حل مختلف المشاكل السياسية.
لقد آن الأوان أن تنظر دول القرار إلى لبنان بعيداً عن الأنظمة الدينية والتوتاليتارية وآحادية الحكم والتي تأخذ من النظام الصهيوني أنموذجاً، إن لبنان التعددي وإن المسيحي المشرقي المتعدد، يمكنه التفاعل والتعامل مع كل المحيط وكل المقومات الدينية والسياسية التي تشكل لبنان. فكفى تحميل التعددية المسيحية مسؤولية فشل النظام في لبنان، ولنذهب جميعاً إلى تفاهم وحوار يقوم على المعطيات السياسية ويأخذ في الحسبان حيثية هذا المرشح أو ذاك لنصل إلى انتخاب رئيس عتيد للجمهورية على مستوى طموح اللبنانيين.