أزمة المصارف مع القضاء إلى الواجهة والوفد القضائي الأوروبي إلى جولة ثانية
برز في الاسبوعين الأخيرين تحرك قضائي في اتجاه عدد من المصارف. فبعد صدور قرار عن محكمة التمييز الجزائية في الرابع من شباط الجاري، لم يفصل في الأساس بالدعوى، إنما كرّس حجز موجودات مصرف “فرنسبنك” ضمانةً لتحصيل دَين مودعين، ثم تحرك المدعية العامة الإستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون، ووصل المطاف، وفق بيان جمعية “الشعب يريد اصلاح النظام”، ان عرض رئيس جمعية المصارف سليم صفير عليها تقديم المستندات المطلوبة المتعلقة برفع السرية المصرفية عن حساباته وحسابات اعضاء مجلس إدارة “بنك بيروت” وحسابات مفوضي المراقبة ومدققي الحسابات فيه، وذلك بعد موافقة ثلاثة مصارف على مطالبها هي “بلوم” و”الإعتماد المصرفي” و”سرادار”. وفُهم ان القاضية عون ارجأت الجلسة التي كانت مقررة امس الى الثلثاء المقبل.
وفي المجال المصرفي أيضا، جاءت إحالة ملف حاكم مصرف لبنان وآخرين على المحامي العام الإستئنافي في بيروت القاضي رضا حاموش بتكليف من الرئيس الأول لمحكمة الإستئناف في بيروت القاضي حبيب رزق الله بعد موافقة المحكمة على رد النائب العام الإستئنافي في بيروت القاضي زياد ابو حيدر بطلب من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وشقيقه رجا سلامة، وذلك عشية قدوم الوفد القضائي الاوروبي الى بيروت في الخامس من آذار المقبل في جولة تحقيق ثانية مع مسؤولين مصرفيين وماليين.
وفي المقابل، لفت التصعيد التخريبي في اتجاه عدد من المصارف ومدخل منزل رئيس جمعية المصارف. وأدرج وكيل عدد من المصارف المحامي صخر الهاشم ما يحصل بأنه “مؤامرة على القطاع المصرفي تنفّذ على مراحل، بعضها من القضاء وبعضها الآخر من سياسيين وممن يسمّون صرخة المودعين”. ويقول لـ”النهار”: “هناك مؤامرة على لبنان من ضمنها تحطيم القطاع المصرفي”، كاشفا عن اتصالات جارية بما فيها حصول اجتماع ليل أمس، “وثمة بوادر لاتخاذ قرار لم ينضج بعد وذلك على مستوى قضائي ووزير العدل ورئاسة الحكومة”.
في حين يؤكد رئيس لجنة حماية حقوق المودعين في نقابة المحامين في بيروت المحامي كريم ضاهر انه “لا يمكن ان ننكر هذا التحرك العفوي للمعترضين” الذي طاول عدداً من المصارف.
ويقول لـ”النهار” ان “ثمة ضغطا لتخفيف الضغط على مطلب رفع السرية المصرفية عن عدد من المصارف، وإقرار قانون الكابيتال كونترول الذي توافق عليه بعض الجهات السياسية وتحاول تمريره في مجلس النواب، رغم ان هذا القانون المجهول التبني لا يحظى بموافقة صندوق النقد الدولي والأكثرية النيابية وقوى المجتمع المدني والمواطن لأنه يفاقم المشكلة ولا يحلها من دون إعادة هيكلة المصارف او التأخر في هذه العملية وإبقاء الأمور على ما هي الآن، والتي يمكن ان تبقى سائبة لسنوات عدة”. ويرى ان “تعميم حاكم مصرف لبنان رقم 659، الذي يعيد هيكلة المصارف من منظور الذي أصدره، يتناغم مع إقرار قانون الكابيتال كونترول الذي من شأنه، طوال فترة نفاذه، وقف الدعاوى على المصارف”. ويضيف ان المصارف “لا تخشى المطالبة باسترداد اموال المودعين بمقدار ما تخشى ان يكون المسؤولون فيها في وضع حرج بإخضاعهم للتحقيق ورفع السرية المصرفية وحجز اموالهم، ومن شأن ذلك ان يؤخر إعادة هيكلة المصارف”، ملاحظا “غياب النية لدى كثر في التوقيع مع صندوق النقد الدولي، ويفضلون ترك الامور على حالها”.
وفيما التحقيق جارٍ بعملية تحويل مبالغ مالية الى الخارج، والذي طلبت القاضية عون في سياقه من عدد من المصارف رفع السرية المصرفية عن رؤساء واعضاء مجالس إدارتها وفقا لقانون رفع السرية الجديد والتزام ثلاثة مصارف بهذا الإجراء، يشير المحامي ضاهر الى ان “صندوق النقد الدولي كان قد طلب التدقيق في حسابات المصارف ولا يمكن الوصول الى ذلك من دون القيام بعملية التدقيق. فتعاونت ثلاثة مصارف مع مطلب رفع السرية ورفض “بنك عودة” التعاون”. وفي نظره أنه “في كل الاحوال تتجه الامور نحو الأسوأ”.
وسأل: “لماذا لا يدرس مجلس النواب قانون الكابيتال كونترول الذي وضعته نقابة المحامين وفق معايير علمية وتقنية وقانونية وعادلة وشفافة وعصرية بالتوازي مع إعادة هيكلة المصارف؟ هم لا يريدون القيام بأي خطوة. ما يريدونه إبقاء الامور على ما هي وتمرير قانونهم الذي هدفه منع الملاحقات ضد المصارف وتشريع التمييز بين الودائع المصرفية بين ما قبل 17 تشرين وما بعده، والخطورة تكمن في تشريع كل ما حصل بعد 17 تشرين وترك مبالغ جرى تحصيلها بعد ذلك التاريخ على مدى ثلاثة اعوام بلا قيود ومن دون معرفة إن حصلت خلالها عمليات غير مشروعة وفي اطار الإقتصاد الأسود ربما. ثم ماذا عن حصول الإنهيار الذي يُحرم المواطن ودائعه؟”. وفي رأيه ان هذا القانون “ذاهب الى الإقرار على علاته، رغم عدم موافقة صندوق النقد عليه”.
ويقول المحامي ضاهر: “لقد سمع احد المسؤولين خلال وجوده في أميركا كلاما عن عدم التنويه بما يجري في لبنان على هذا الصعيد”، منتقدا قانون اعادة الهيكلة الذي تعمل عليه الحكومة والذي لا يتناسب مع اقتراح صندوق النقد الدولي والتدابير الإصلاحية الواردة في الإتفاق الأولي الموقّع معه، متحدثا عن أجواء سلبية سادت الإجتماع مع صندوق النقد “لأن شيئا لم يتحقق حتى قانون السرية المصرفية الذي وُلد بعد مخاض عسير”. ويضيف: “سواء جرى تمرير الكابيتال كونترول مع التعميم الرقم 659 حيث ستُترك الأمور سائبة الى ما لا نهاية مع تذويب الودائع، أو في حال لم “يقطع” هذا القانون فنحن ذاهبون في ظل التدهور الى ما لا يُحمد عقباه والى مزيد من الإنهيار”.
ويرى الحل يكمن في “ان يعود المسؤولون الى رشدهم والخروج من النكران وقبول كل فريق بتحمّل الخسارة والبدء بالاصلاحات المطلوبة من صندوق النقد الذي سيفتح باباً جديداً بعد انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة. وحتّذاك يمكن تحقيق خطوات عملية منها التدقيق الجنائي المطلوب من الصندوق، والذي كان يُفترض ان ينتهي منذ 16 شهرا ولا يزال بلا صدى. ونحن في صدد توجيه كتاب الى وزير المال لمعرفة مصير هذا التدقيق الجنائي”. ويربط المحامي ضاهر عقد الجلسة التشريعية في مجلس النواب بمدى موافقة تكتل “لبنان القوي” الذي كان وافق على قانون “الكابيتال كونترول” وعارضته قاعدته لاحقا.