خاص – من المُستفيد من مهاجمة المصارف؟
مما لا شك فيه، إن حجم المآسي والمعاناة لدى اللبنانيين توسّع وكَبُر بشكل لم يعد قادراً على تحمّله أحد، خصوصاً في الفترة الأولى من العام 2023، حيث إرتفع سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية بشكل جنوني، ما أدى بالمقابل الى تآكل القدرة الشرائية للبنانيين وزيادة معدلات الفقر، بحيث باتت شريحة كبيراً جداً من اللبنانيين غير قادرة على الحصول على إحتياجاتها الأساسية وحتى الغذائية.
لكن في المقابل، هل ما يجري اليوم من مهاجمة المصارف، وخصوصاً منزل رئيس جمعية المصارف سليم صفير، هو الحل للأزمة؟ وهل المصارف وصفير مسؤولين عن تصاعد الأزمة الإقتصادية والمالية؟ وهل سيؤدي ما يحصل اليوم الى إنخفاض سعر صرف الدولار وعودة الحياة الى طبيعتها؟
مخطئ من يظن ذلك، لأن المسؤول في مكان آخر. صحيح أن المصارف تتحمل جزءاً من المسؤولية، لكن المسؤولية الحقيقية والأساسية عند السياسيين الذين سرقوا ونهبوا وفشلوا بصراعاتهم ومناكفاتهم وإستشراسهم على السلطة في إدارة شؤون البلاد.
وهنا لا بد من السؤال، من يتحمّل مسؤولية الإنهيار المريع من بدء الأزمة الإقتصادية حتى الآن؟ هل المصارف مسؤولة؟ هل مصرف لبنان مسؤول؟ هل المصارف هي الجهة التي تقاعست عن إقرار القوانين والتشريعات الضرورية من كابيتال كونترول وقانون إعادة هيكلة المصارف وخطة التعافي المالي والإتفاق مع صندوق النقد الدولي؟
بالتأكيد لا، المسؤول الوحيد عن التدهور الكبير الذي حصل بين تشرين الأول 2019 وشباط 2023، هم أهل السلطة الذين لم يتّخذوا أي قرار حقيقي وفعّال لمواجهة الأزمة، إنما إستمرّوا في ممارساتهم التي يجيدونها، تاركين البلد وأهله يتخبّطون بمشاكله وأزماته بإنتظار تَغَيّر المعادلات الدولية والإقليمية لعلّها تخدمهم في تحقيق مكاسب سلطوية.
اليوم، مهما حصل على جبهة المصارف ورئيسها سليم صفير، هل ستتغيّر الأوضاع والأمور؟
بالتأكيد ستتغيّر لكن إلى الأسوأ، لأن المصارف التي تدير الأزمة المالية كل يوم بيوم، مع هذا الكَم ّمن الإستنسابية والحقد، هي الآن تتعرض كما بداية الأزمة وقبلها الى استهداف عنيف معروف الأبعاد يهدف لإبعاد الشبهات عن القوى السياسية وتفلتها من المسؤولية حيال ما آلت اليه الأوضاع وبالتأكيد تضليل الرأي العام عن مَكمَن المرض والخلل الحقيقي المتجذّر لدى أهل السلطة والقوى السياسية الممسكة بالبلاد ورقاب العباد.