في أوقات الأزمات الاقتصادية تتجه الأنظار إلى القطاع المصرفي؛ لأن قوة البنوك وقدرتها على تحمل الصدمات الاقتصادية هما الأمان لأي اقتصاد، ومتى ما تجاوزت البنوك تبعات الأزمات الاقتصادية فهذا يعني العودة السريعة لتعافي الاقتصاد، الأزمة المالية التي حدثت عام 2008 نتجت أساساً عن مشكلة الرهن العقاري في الولايات المتحدة الأمريكية، التي تسببت فيها القروض العقارية الرديئة وقد تفجرت الأزمة المالية عندما حصل عجز كبير في سيولة البنوك التجارية ومؤسسات الإقراض المالية، بعد هذه الأزمة تغيرت الكثير من المفاهيم المصرفية للتعامل من عمليات الإقراض وتحديد معايير تحفظ البنوك من أزمات خسائر الائتمان ولذلك جاءت اتفاقية بازل التي ترتكز على مبدأ كفاية رأس المال عند إصدار المعايير المتعلقة بذلك لتوضيح العلاقة بين مصادر رأس مال البنك والمخاطر التي قد تتعرض لها الموجودات وقدرة البنك على الوفاء بالتزاماته ومواجهة أي خسائر قد يتعرض لها، وهذه المعايير تعتبر أداة لقياس ملاءة البنوك وقدرتها على مواجهة مخاطر الائتمان والمخاطر التشغيلية، تم التعديل عليها لاحقاً حتى وصلنا إلى معايير بازل 3 التي دخل حيز التنفيذ في عام 2019 واستناداً إلى البيانات المالية بنهاية النصف الأول من العام الحالي، فإن معدل كفاية رأس المال لكل المصارف السعودية بلغ 20.5 في المئة، بينما المتطلب 10.5 في المئة، أي ضعف المتطلب العالمي، وهذا يؤكد جدارة البنوك السعودية الائتمانية وملاءتها المالية العالية ما كان له الأثر في زيادة ثقة العملاء وارتفاع الودائع إلى أرقام تاريخية رغم الأزمة الاقتصادية.

أما ما يخص خسائر الائتمان فقد بدأت البنوك السعودية تطبيق معايير المحاسبة الدولية مع بداية عام 2018 حيث يحدد المعيار رقم 9 انخفاض القيمة في الأدوات المالية على ثلاث مراحل لتحديد الانخفاض في القيمة بناء على التغيرات في الجودة الائتمانية منذ الاعتراف المبدئي، يتكون تصنيف المرحلة الأولى من الأصول حيث لن تزداد مخاطر الائتمان بشكل كبير منذ الاعتراف الأولي، وتحدث المرحلة الثانية عندما يزداد خطر الائتمان، وتبدأ المرحلة الثالثة عندما يُعتبر الأصل المالي ذا ائتمان منخفض، تحتاج الأصول المصنفة كمرحلة أولى فقط إلى وجود خسائرها المتوقعة على مدار 12 شهراً، أما الأصول المصنفة كمرحلة ثانية وثالثة تشبه خسائر الائتمان الحالي المتوقعة ولديها متطلبات طول عمر القرض، مع ضرورة مراعاة المعلومات الاستشرافية وتوقع الخسائر الائتمانية قبل وقوعها، وهذا تطلب من البنوك السعودية تجنيب مخصصات إضافية عند بداية التطبيق التزاماً بالمعيار وكان له أثر في انخفاض قيمة حقوق المساهمين، ولكنه منح البنوك السعودية هامش أمان عالياً ظهر أثره الإيجابي خلال الأزمة الحالية، كانت نسبة القروض المتعثرة إلى إجمالي محافظ التمويل لا تتجاوز 1.5 في المئة ولكن هذه النسبة ارتفعت في نهاية النصف الثاني من العام الماضي إلى 2.1 في المئة، وهذا الارتفاع كان متوقعاً مع ضبابية المشهد في ذلك الوقت وتعطل الكثير من الأعمال بسبب الإجراءات الاحترازية لمواجهة كوفيد 19، وكانت هذه النسبة مقبولة في ظل أزمة مالية كبيرة ويجب أن نشيد بدور البنك المركزي السعودي الذي جنب البنوك السعودية خسائر ائتمانية كبيرة بعد تكفله ببرنامج تأجيل الدفعات للمنشآت الصغيرة والمتوسطة، حيث وصل الدعم إلى ما يقارب الـ170 مليار ريال حسب الإعلان الأخير للبنك المركزي، ومازال البرنامج مستمراً، وربما يمدد إلى نهاية العام الحالي إلا أنه سوف يقتصر على العقود التي مازالت أنشطتها متأثرة بالإجراءات الاحترازية مثل الأنشطة المتعلقة بالحج والعمرة، مع نهاية النصف الأول من العام الحالي تراجعت نسبة القروض المتعثرة إلى 1.8 في المئة، ويعتبر هذا الرقم هو الأقل على مستوى البنوك في العالم، ومتوقع مع نهاية العام الحالي الوصول إلى نسبة 1.5 في المئة وهو الرقم المسجل قبل الأزمة الاقتصادية، وهذا يعني تعافي القطاع المصرفي 100 %، المخصصات التي جنبتها البنوك السعودية لمواجهة خسائر الائتمان تغطي نسبة تزيد على 156 % من الخسائر المحتملة مقارنة مع 145 % في نهاية النصف الثاني 2020، وهذه النسبة تعتبر من الأعلى على مستوى البنوك العالمية، مصرف الراجحي هو الأعلى بنسبة تغطية تجاوزت ثلاثة أضعاف الخسائر المتوقعة، وهذا يعود إلى تطبيق المعاير رقم 9 من معايير المحاسبة الدولية والذي يحتسب مخصصات بناء على توقعات الخسائر قبل حدوثها وليس بعد حدوثها كما كان معمولاً به في المعيار المحاسبي رقم 39 ولأن قروض الأفراد يكون توقع الخسائر فيها أعلى من قروض الشركات لذلك كان تجنيب مصرف الراجحي للمخصصات أعلى من البنوك الأخرى لأن قروض الأفراد تشكل 80 % في محفظته التمويلية، ولذلك نعتقد بأن مصرف الراجحي من أقل البنوك على مستوى العالم في حدة تذبذب مخصصاته والتي تكون في الغالب ضمن نطاق لا يؤثر على أرباحه لأن معظم قروض الأفراد مؤمنة من التعثر بإلزام المقترضين تحويل رواتبهم الشهرية واستقطاع دفعات الأقساط قبل نزول الرواتب في حسابات العملاء.

جريدة الرياض – السعودية