من الإشعاع والنور والتعليم إلى الفقر والجوع والتعتيم
أخطر ما في المحنة الاقتصادية الراهنة ان جلّ اهتمام اللبناني بات ينحصر في تأمين معيشته ومعيشة عائلته. فالإنسان قبل أن يصبح باستطاعته الاهتمام بالسياسة والعلم والفن، لا بد أن يتوافر له المأكل والسكن والملبس. وقبل حوالي ١٠٠ عام قال جبران خليل جبران: «إذا غنيت للجائع سمعك بمعدته»! وذلك عكس مقولة «الحاجة أم الاختراع». حيث الحاجة الى الغذاء تعطّل الذهن وتشلّ القدرة على التفكير والإبداع كما هو حاصل الآن في لبنان حيث الفقر والعتمة يجتاحان وطن الإشعاع والنور!
والمشكلة ان محنة لبنان تأتي في ظروف يتراجع خلالها الإبداع العربي في مختلف الحقول، وسيكون الهاجس الغذائي والمعيشي والتعليمي المتزايد باستمرار سببا إضافيا لانحدار مستوى الحياة العلمية والتقنية والثقافية في لبنان ربما الى أدنى مما بلغه في العديد من الدول العربية التي تعاني أصلا من المستويات الدنيا بالمقارنة مع العديد من دول العالم، حيث براءات الاختراع العربية على سبيل المثال لا تزيد عن ٢٨٩١ شهادة (غالبيتها لشركات نفط أجنبية تعمل في الخليج) مقابل مليون و٦٩٠ ألف براءة اختراع لليابان و٣٦٥٠٠٠ براءة لألمانيا و١٦٦٠٠٠ براءة لكوريا الجنوبية. ومن أصل ٣٧٧ مليون عربي ٨٠ مليون أمي. ولا تزيد نسبة الانفاق على التعليم العالي والبحث العلمي من الناتج المحلي الإجمالي لكل الدول العربية عن 0,3% سنويا (1,7مليار دولار) مقابل ٤% لإسرائيل (١٠ مليارات دولار) و2,7% لليابان و2,6% لكل من الولايات المتحدة وفرنسا والدانمارك.
علما انه خلال فترة النهضة العربية في مصر بين الأعوام ١٨٢٠ و١٨٤٠ قبل ثلاثة أرباع القرن من بداية حركة التصنيع في اليابان وقبل نصف قرن من التصنيع في ألمانيا، زار وفد ياباني القاهرة للإطّلاع على التجربة الصناعية المصرية في عهد محمد علي. والآن حيث ٨٠% من الثروات العربية في يد مجموعات أو تروستات وكارتيلات محدودة العدد، بات ٩٠% من الاستثمارات العربية غير صناعية وغير زراعية، وتنحصر غالبا في قطاعات النفط والعقار والمال والمصارف والتأمين والتجارة.
وفي تقرير للأمم المتحدة عن العام ٢٠١٧ انه من أصل سكان ١٠ دول عربية عدد سكانها 116,1 مليون نسمة 40,6% فقراء و13,4% في فقر مدقع.
وهذه البلدان العشرة هي مصر وتونس والمغرب والجزائر والأردن والسودان وموريتانيا وجزر القمر والعراق واليمن. وذلك قبل أن ينضم أخيرا الى اللائحة لبنان الذي ارتفع فيه معدل الفقر حسب تقرير «الأسكوا» بشكل دراماتيكي من ٢٨% عام ٢٠١٩ الى ٥٥% عام ٢٠٢٠ والفقر المدقع خلال الفترة نفسها من ٥% الى ٢٣% معرّضة للزيادة باستمرار في ضوء التوقعات عن اشتداد حدّة المشكلة الغذائية في العالم وفي الوطن العربي. ففي كتاب Jane Harrigan عن «السيادة الغذائية العربية» بعنوان «The political economy of Arab food sovereignty» ان الطلب العربي على الغذاء سيزداد بشكل كبير خلال العشر سنوات المقبلة، لا سيما الطلب على الحبوب مما كان عليه بـ٨٤ مليون طن عام ٢٠٠٠ الى ١٤٢ مليون طن عام ٢٠٣٠ وسوف تترك هذه الحاجة تأثيرها على قدرة المواطن العربي وعلى الموازنات السنوية العربية وتقلص الجزء المتعلق بالتعليم والبحث العلمي ومن براءات الاختراع ومن إمكانية مكافحة الأمية، إضافة الى تأثيرها على الوعي السياسي ونوعية ودرجة الممارسة الديموقراطية وعلى نمو الناتج الإجمالي العربي وتتسبب بتزايد معدلات الفقر والمرض والأمية والبطالة.
المصدر:اللواء
ذو الفقار قبيسي